فيه من السؤال. بلم، فإن صح به برهان قبل وإلا رفض.
وقد سمي بعضهم هذا الباب: " إجراء العلة في المعلول " ولعمري لو صح أن ذلك علة ككون القتل علة للموت القسري (?) ، والجوع علة لإرادة الغذاء، والعطش علة لإرادة الماء العذب، إن ذلك لواجب إجراؤها في معلولاتها حتى لا سبيل إلى أن يوجد أبدا قط في الدهر علة إلا ومعلولها موجود. وأما إن لم تكن هكذا فاعلم أنها ليست علة. وأما ما ادعى متحكم أنها علة دون برهان فغير واجب اجراؤها فيما (?) ليس معلولا بها.
وبالجملة فليس في الشرائع علة أصلا بوجه من الوجوه ولا شيء يوجبها إلا الأوامر الواردة من الله عز وجل فقط، إذ ليس في العقل ما يوجب تحريم شيء مما في العالم وتحليل آخر، ولا إيجاب عمل وترك إيجاب آخر. فالأوامر أسباب موجبة لما وردت به. فإذا لم ترد فلا سبب يوجب شيئا أصلا ولا يمنعه. وإذا لم تكن العلة إلا التي لم توجد قط إلا وموجبها معها فليس ذلك إلا في الطبيعيات (?) فقط؛ وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يوقع اسم علة على غير هذا المعنى فيقع التلبيس بإيقاع اسم واحد على معنيين مختلفين؛ وهذه (?) أقوى سبيل لأهل المخرقة.
واعلم وتنبه لما أنا مورده عليك، إن شاء الله عز وجل: إن هذا الشيء الذي سموه استدلالا بالشاهد على الغائب وإجراء للعلة في المعلول إنما يصح به إبطال التساوي (?) في الحكم لا إثباته، لأنك متى وجدت أشياء مستوية في صفات ما وهي مختلفة الأحكام فلا تشك في اختلافها، بل معرفتنا باختلافها علم ضروري. وكذلك نكون حينئذ غير قاطعين على أن حكم ما غاب عن حواسنا من سائر تلك الأشياء الغائبة التي تساوي هذه الحاضرة في الصفة التي استوت هذه الحاضرة كلها فيها لا على أنه موافق لحكم هذه [76ظ] الحاضرة ولا على أنه مخالف. وهذا ما لا يخالفنا فيه