خصومنا لأنه ضروري. فثبت أن المنفعة عظيمة صحيحة باختلاف المشاهدات في إبطال القطع بتساوي الغائبات عن الحواس معها، وإننا لا ننتفع باستواء المشاهدات فيما لم توجبه طبيعة العقل لها في معرفة حكم الغائبات. ألا ترى أننا إذا لم نجد حمارا يجتر لا نقطع على أنه لا يوجد، بل إن وجد لم ننكره؛ ولقد أخبرني مخبر (?) أنه صح عنده وجود فرس يجتر، ولم يوجد قط ذو قرن إلا وهو مشقوق الحافر حاشا الحمار الهندي (?) فهو ذو قرن وهو غير (?) مشقوق الحافر؛ ومثل هذه الأمور التي لا توجبها الطبيعة فهي في حد الممكن إلا أنها على قدر قلة وجودها وكثرته تدخل في الممكن البعيد أو المتساوي أو (?) القريب. ونجد النار مضيئة حمراء حارة، فمن قال إن (?) الضياء علة الإحراق أريناه أشياء مضيئة كالمرايا وغيرها وهي غير محرقة، ومن قال الحمرة علة الإحراق أريناه الدم غير محرق، ومن قال الحرارة علة الإحراق أريناه أشياء تحر الجسم ولا تحرق. فوجب ضرورة أن لا يكون شيء مما ذكرناه علة وهي صفات مطردة كما ترى؛ لكن كل عنصر بسيط حار يلبس صعاد مضيء مصعد للرطوبات قد (?) يسفل بالقهر ويستحيل هواء فهو محرق بلا شك، لأن طبيعة العقل تقتضي ذلك. ومن سلك الطريق التي نهينا عنها لم يسلم من حيرة أو تناقض أو تحكم بلا دليل. ومما قاد إليه أيضا هذا الاستدلال الفاسد قوما أن قالوا: لما كنا أحياء ناطقين وكانت الكواكب أعلى منها وفي أصفى مكان، وكان (?) تأثيرها ضاهرا فينا كانت أولى بالحياة والنطق منا، فهي أحياء ناطقة عاقلة. فيلزمهم على هذا البرهان الفاسد أنهم لما وجدوا كل عاقل مميز ناطق حي فيما بيننا إنما هو لحم ودم