ونحن نجد الأعمى الذي ولد أكمه موقنا بأن (?) الألوان موجودة، كإيقان المبصر لها ولا فرق؛ وكذلك يقيننا (?) بوجود الفيل وإن كنا لم نره قط كيقين من رآه ولا فرق. وإنما افترق الأعمى والبصير في كيفية الألوان فقط، وأما في أن اللون صحيح موجود فلا فرق بينهما في يقين العلم بذلك. وكذلك نحن إنما يفضلنا من رأى الفيل بالكيفية فقط، وإنما صحة وجوده فلا فضل له علينا في المعرفة بأنه حق. ونحن وإن كنا لم نشاهد ولا اخبرنا من شاهد ولا بلغنا أن في الناس اليوم إنسانا يرفع من الأرض ستمائة رطل، فلسنا ننكر وجوده، إن وجد، كإنكارنا وجود إنسان يرفع ستة آلاف رطل من الأرض، وكلاهما لم نشاهده ولم نشاهد مثله. فليس وجودنا أشياء كثيرة مشتركة في بعض صفاتها اشتراكا صحيحا، ثم وجودنا بعض تلك الأشياء، ينفرد بحكم ما نتيقنه فيها بموجب أن نحكم على سائر تلك الأشياء باستوائها في هذا الحكم الثاني من قبيل استوائها (?) في الحكم الأول. وهذه دعوى (?) سمجة وتحكم فاحش، وإنما يلزم هذا إذا اقتضت طبيعة ما وجود (?) شيء فيما هي (?) فيه وعلمنا وجوب ذلك بعقولنا، فإذا كان ذلك، حكمنا ضرورة على ما لم نشاهد من أجزاء ذلك الشيء كحكمنا على ما شاهدناه منها، كاقتضاء طبيعة ذرع كل جسم متحرك أن يكون متناهي الأقطار، فهذا معلوم بأولية العقل وموجب حكم الكمية، وكاقتضاء طبيعة مني الإنسان أن لا يتولد منه بغل ولا جمل، لكن جسم بشكل ما، فيه نفس ناطقة تقبل التعليم والتصرف في الصناعات (?) ، فليست معرفتنا بأن أجسامنا متناهية لأن طبيعة العقل توجب ذلك بأقوى من معرفتنا بأن جسم الفلك متناه إنما صح عندنا لأن أجسامنا متناهية، لكن الوجه الذي صح أن أجسامنا متناهية به صح أن جسم