رسائل ابن حزم (صفحة 1215)

البرهان على بطلانه ومع أنه دعوى مجردة فعلى كل ذلك قد ناقضوا (?) فيه، وذلك أنهم لم يغالطوا أنفسهم ويغروها وتتبعوا ما وجدوا تتبعاً صحيحاً فلم يجدوا قط فاعلاً مختاراً غير محدث وغير مركب إما من ولادة وإما من رطوبات مستحيلة، (?) فلازم لهم إن كان حكمهم صحيحاً إذ لم يشاهدوا قط فاعلاً مختاراً إلا مركباً من ولادة أو من رطوبات مستحيلة أن يقطعوا في الواحد الأول تعالى أنه محدث مركب من ولادة أو من رطوبات مستحيلة (?) تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وإلا (?) فقد ناقضوا وأبطلوا دليلهم. وليعلموا أنهم في بلية شنعاء وهم يقرون بلا خلاف منهم أن من اعتقد هذا فمفارق للملة مباح دمه متبريء من خالقه تعالى، أفلا يستحيي من له أدنى فهم وعقل من أن يشهد على نفسه بأنه ثابت على شيء باطل

وأما الذي غلط فيه بعض الموافقين لنا في النحلة من أصحابنا الإخباريين فإنهم تتبعوا كل موصوف في العالم فرأوه إنما استحق ذلك الاسم بصفة فيه اشتق له [74ظ] منها ذلك الاسم، فقطعوا من أجل ذلك على أن الواحد الأول عز وجل ذو سمع وبصر وحياة وإرادة وأنه متكلم لا يسكت، لأنه (?) تعالى موصوف بأنه سميع بصير حي مريد وله كلام، ولو أنهم أنصفوا أنفسهم ولم يقتحموا فيما يعيرون به خصومهم لكانوا إذ (?) فتشوا هذا التفتيش قد وجدوا يقيناً أنهم لا يرون أبداً ولا يشاهدون موصوفاً بشيء إلا وتلك الصفة عرض في الموصوف محمول وأن الصفة لا يحملها إلا جوهر، على أن هذا الذي نذكر لا يتوهم متوهم في العالم رتبة سواها؛ فلازم لهم إذ لم يشاهدوا قط موصوفاً بصفة إلا وهو جوهر يحمل عرضاً في ذاته أن يقولوا: إن الأول الذي ليس كمثله شيء جوهر يحمل الأعراض ولم يفارقها قط، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. لكنهم قد خجلوا من هذا الخطأ وشردوا عنه، ولم يختلفوا في أن قائل ذلك معتقداً له جاحدٌ للخالق تعالى مباح دمه، لخروجه من الملة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015