رسائل ابن حزم (صفحة 1200)

صلى الله عليه وسلم، وعز باعثه وجل، إذ قضى أن شهادة الزور من الكبائر، فمن لم يردعه قبح الخروج عن المعقول فليردعه خوف النكال الشديد يوم الجزاء، نعوذ بالله من ذلك. ولو أن حالفاً حلف على القاتل أنه قال للمقتول " أف " لكانت يمينه غموساً، فكيف استجاز من يصف نفسه بالفهم أن يقضي قضاءً يقر به (?) على نفسه أنه كاذب إذا حقق الحكم ولعمري إن كثيراً منهم لأفاضل فهماء أخيار صالحون معظمون باستحقاقهم، ولكن النقص لم يعر منه بشر إلا المعصومين بالقوى الإلهية من الأنبياء عليهم السلام [69ظ] خاصة، وزلة العالم مؤذية جداً ولو لم تعده إلى غيره لقل ضررها، لكن لما قال الله عز وجل {وبالوالدين إحساناً} اقتضت هذه اللفظة إتيان كل ما يسمى إحساتاً، ودفع كل ما يسمى إساءة، لأن الإساءة ضد الإحسان، والإحسان واجب فالإساءة ممنوعة، لأن قولك: أحسن إلى فلان يقوم مقام قولك (?) لا تسيء إليه، وذلك معنى مقتضاه فقط (?) وزائد معنى هو أيضاً شيء هو غير ترك الإساءة فقط (?) . وأما قولك: لا تسيء إليه (?) ، فليس فيه الإحسان إليه، وكذلك إذا قلت: لا تحسن إليه، فليس فيه أن تسيء إليه أصلاً، لأن هذا من الأضداد التي بينها وسائط، والوسيطة (?) هاهنا التي (?) بين الإساءة والإحسان: المتاركة. وأما إذا قلت أسيء إلى فلان ففيه رفع الإحسان عنه (?) لأن الضد يدفع الضد، إذا وقع أحدهما بطل الآخر. فتدبر هذه المعاني تستضيء في جميع مطلوباتك بالنور الذي منحك خالقك تعالى وقرب به شبهك من الملائكة وأبانك عن البهائم، وإلا كنت كخابط عشواء حيران لا تدري ما تقدم عليه بالحقيقة ولا ماتترك باليقين، لكن بالجسر (?) والهجم اللذين لعلهما يوردانك (?) المتالف ويقذفانك في المهالك، هدانا الله وإياك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015