البشائر مياومة عن مقدار ارتفاع الماء. فينادي بالناس: «الحمد لله! إن النيل قد ارتفع اليوم كذا وكذا قياسا» . ومتى استوفى الماء قياسات العمود، علموا بأن الفيض قد بلغ الغاية، وأنه قد غمر من الأراضي ما مسافته خمسة عشر يوما. وعندئذ يبادر الفلاحون وأصحاب المزارع إلى حفر الخلجان والقنوات فيدخلها الماء الوفير، ويدخل معه السمك الكثير، يبقى في الخلجان بعد ما تنحسر عنها المياه، فيأخذه الفلاحون ويأكلونه، ويكبسون ما فاض منه بالملح، فيبيعونه من التجار الذين ينقلونه إلى الأطراف وهذا السمك سمين، لذيذ، والناس هنا تستعمل سمنه للإضاءة. وماء النيل كثير العذوبة ملائم للهضم.
ويقول العارفون بأسباب فيض النيل، إن الأمطار الغزيرة تتساقط في أرض كوش (الحبش) والحويلة (زويلة) فيفيض النيل من سيلها ويغمر الأرض. أما إذا قل فيضه فلا يكون للناس زرع في ذلك العام، ويصيب البلد قحط شديد.
ويزرع الفلاحون حقولهم في شهر حشوان (تشرين الثاني) عندما تنحسر المياه فيحصدون الشعير في آذار والحنطة في نيسان. وفي موسم الصيف تكثر عندهم أثمار الإجاص والجوز والقثاء والقرع والخروب والفول والذرة والحمص وسائر أنواع الفواكه والبقول مثل الرجلة والهليون والعنب والخس والكزبرة والهندباء والكرنب والعناب.
فتفيض الأرض بالخيرات. وتعمر الحدائق والبساتين، تسقيها مياه الخلجان المتشعبة من النيل.