وإنما كان رجالهم يهاجمون كلّ ما كان يتاح أمامهم. يقول بنيامين:

«والجنويون مسيطرون على البحار، يجوبونها بسفنهم الخاصّة المسمّاة غاليش Galleys ويقومون بأعمال القرصنة على الروم والمسلمين، فيعودون إلى جنوة بالأسلاب والغنائم الوفيرة» وليس أدلّ على أن التاريخ لا يموت من أنّ هذه الفكرة عن أهل جنوة لا زالت كامنة في الضمير الأسباني حتى الآن- فكرة التاجر الجشع الذي هو على استعداد لأن يبيع العالم لا تمنعه قيمة دينية ولا وازع رحمة، وهي فكرة لا تختلف كثيرا عن الفكرة التي شاعت في وقت من الأوقات في تراث الشعوب وآدابها عن اليهوديّ الصراف المرابي- وإن كانت هذه الفكرة بدأت تتلاشى مع زيادة احتكاك الشعوب والثقافات.

ولم تكن هذه الفكرة قاصرة على جنوة دون غيرها من المدن التجارية الإيطالية، وإنما كانت شائعة بالنسبة للبندقية أيضا، لكننا نركّز على جنوة لأنها كانت هى الأقرب لشبه جزيرة أيبيريا (بلد بنيامين التطيلى) لذا فقد كان توجّههم التجاري والمالي نحو شبه جزيرة أيبيريا، بينما كان للبنادقة ميادين أخرى ربّما كانت أوسع.

ولأنّ توجهات الشعوب- بصرف النظر عن السياسات الرسمية- تعد من المسائل الأساسية للتفسير الأنثروبولوجي للتاريخ، نفضّل هنا إيراد فقرات من البحث الآنف ذكره، خاصّة أنّ بنيامين لم يجد في جزيرة كورفو Corfo التابعة للبندقية إلا يهوديا واحدا.

« ... كانت حركة جهاد البحر والحروب العثمانية في البحر المتوسط أحد العوامل الرئيسية التي وجهت أهل جنوة للعمل على استثمار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015