ذكره من أشخاصهم لم يترجم لهم وإنما ذكر أسماءهم ومهنهم ومناصبهم في سلك الكهنوت اليهودي على الأكثر، وكأنّ لسان حاله يقول: من أراد مزيدا من المعلومات فعليه الاتصال بفلان في بلدة كذا.. إنّ كتابه هذا بمثابة دليل تعارف بين يهود العالم، إذا حان وقت الهجرة أو الرّحيل.

ملحوظة أخرى تفسر تفاوت أعداد اليهود في مدن شبه الجزيرة الإيطالية وهى أنّها لم تكن كيانا سياسيا واحدا كما سبق أن أشرنا، وربما كان اختلاف مواقف الحكومات في شبه الجزيرة وراء هذا التباين، ولم يكن أهل جنوة وكل المدن التجارية يرتاحون لليهود لأسباب أخرى غير دينية، كما كان أهل أسبانيا في أثناء فترة تقدمهم لا ينظرون لأهل المدن الإيطالية، والجنوبيين منهم خاصة نظرة ارتياح، وإذا كنّا قد تعرضنا في فقرة سابقة إلى أنّ إخراج المسلمين من الأندلس، لم يكن عملا مرغوبا على المستوى الشعبي؛ وإنما كان توجها سياسيا حكوميا أيدته كنيسة روما الكاثوليكية- بعكس الحال بالنسبة إلى اليهود الذين لم يقبل الإسبان- حكومة وشعبا- منهم إلا الرّحيل، فإن أهل جنوة كانوا ينافسون اليهود في الكراهية التي حظوا بها عند أهل شبه جزيرة أيبيريا لاشتغالهم بأعمال السمسرة والصرافة وهي أمور لم يكن الإسبان- وغالبهم فلاحون- يفهمون فيها، ولسبب آخر يضيفه بنيامين التطيلى نعرفه لأول مرة منه، وهو أنّ أهل جنوة كانوا يعملون في هذا الوقت الباكر (الثاني عشر للميلاد، وقبل ذلك) بالقرصنة ولم يكونوا ليميزوا بين سفن المسيحيين والمسلمين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015