وأطال في كلامه في هذه الطائفة لأنَّها أخس الطوائف، فضرب لها الأمثال بمثل النَّار ومثل الماء {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة / 17] ومثل الماء في قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} [البقرة / 19].
ولا يسعنا المقام في أن نتكلم على المثلين لأنَّه يستغرق وقتًا طويلًا.
والشاهد أن الله لمَّا نوه بهذا القرآن العظيم، وبينَ أنَّه الكتاب الأعظم الذي لا ريب فيه، وبيّن أن النَّاس بالنسبة إليه ثلاث طوائف: طائفة طيبة، وطائفتان خبيثتان، ليس المقصود من القرآن في تقسيم هذه الطوائف مجرد تاريخ ولا إخبار، بل مجرد وعظ وإرشاد ليعلم خلقه ويبيِّن لهم أنهم يجب عليهم أن يُسارعوا إلى أن يكونوا من الطائفة الطيبة، ويتباعدوا كل التباعد من الطائفتين، المقصود تنبيه المسلمين على أن يكونوا من المتقين الذين يؤمنون بالغيب ومما رزقناهم ينفقون، وأن يتباعدوا كل التباعد أن يكونوا من طائفة الكافرين أو طائفة المنافقين.
لا شك أن المسلم إذا علم هذا التقسيم من خالق الكون -جل وعلا- أنَّه يتشوف بتعطش إلى الطَّريق التي يجتنب بها الكينونة مع الطائفتين الخبيثتين، والصيرورة مع الطائفة الطيبة، لا شك في هذا؛ لأجل هذا أتبع الله هذا التقسيم بإيضاح كلمتين عليهما مدار خير الدُّنيا والآخرة، وجميع الهدى، والصلة الكاملة بمن رفع هذه السماء ودحا هذه الأرض، وفتح هذه العيون في أوجهكم، ففرق أصابعكم وشدَّ رؤوسها بالأظفار، وأنتم في بطون أمهاتكم من غير أن يحتاج إلى أن