يوماً، أباكره وأراوحه. ثم صرفني، وودعني على أحسن حال، ورجعت إلى مصر. وكان طلب مني بغله كنت أركبها فأعطيته إياها، وسألني البيع فتأففت منه، لما كان يعامل به من الجميل، فبعد انصرافي إلى مصر بعث إلي بثمنها مع رسول كان من جهة السلطان هنالك، وحمدت الله تعالى على الخلاص من ورطات الدنيا.
وهؤلاء الططر هم الذين خرجوا من المفازة وراء النهر، بينه وبين الصين، أعوام عشرين وستمائة مع ملكهم الشهير جنكزخان وملك المشرق كله من أيدي السلجوقية ومواليهم إلى عراق العرب، وقسم الملك بين ثلاثة من بنيه وهم جقطاي، وطولي، ودوشي خان:
فجقطاي كبيرهم، وكان في قسمته تركستان وكاشغر، والصاغون، والشاش وفرغانة، وسائر ما وراء النهر من البلاد.
وطولي كان في قسمته أعمال خراسان، وعراق العجم، والري إلى عراق العرب وبلاد فارس وسجستانوالسند. وكان أبناؤه: قبلاي، وهولاكو.
ودوشي خان كان في قسمته بلاد قبجق، ومنها صراي، وبلاد الترك إلى خوارزم. وكان لهم أخ رابع يسمى أوكداي كبيرهم، ويسمونه الخان، ومعناه التخت، وهو بمثابة الخليفة في ملك الإسلام. وانقرض عقبه، وانتقلت الخانية إلى قبلاي، ثم إلى بني دوشي خان، أصحاب صراي. واستمر ملك الططر في هذه الدول الثلاث، وملك هولاكو بغداد، وعراق العرب، إلى ديار بكر ونهر الفرات. ثم زحف إلى الشام وملكها، ورجع عنها، وزحف إليها بنوه مراراً، وملوك مصر من الترك يدافعونهم عنها، إلى أن انقرض ملك بني هولاكو أعوام أربعين وسبعمائة، وملك بعدهم الشيخ حسن النوين وبنوه. وافترق ملكهم في طوائف من أهل دولتهم، وارتفعت نقمتهم عن ملوك الشام ومصر. ثم في أعوام السبعين أو الثمانين وسبعمائة، ظهر في بني جقطاي وراء النهر أمير اسمه تيمور، وشهرته عند الناس تمر، وهو كافل لصبي متصل النسب معه إلى جقطاي في آباء كلهم ملوك، وهذا تمر بن طرغاي هو ابن عمهم، كفل صاحب التخت منهم اسمه محمود، وتزوج أمه صرغتمش، ومد يده إلى ممالك التتر كلها، فاستولى عليها إلى عيار بكر، ثم جال في بلاد الروم والهند، وعاثت عساكره في نواحيها، وخرب حصونها ومدنها، في أخبار يطول شرحها. ثم زحف بعد ذلك