رحله ابن خلدون (صفحة 272)

الداويداري، فودعته وانصرفت، واختلفت الطريق مع ذلك القاصد، فذهب عني، وذهبت عنه. وسافرت في جمع من أصحابي، فاعترضتنا جماعة من العشير قطعوا علينا الطريق، ونهبوا ما معنا، ونجونا إلى قرية هنالك عرايا. واتصلنا بعد يومين أو ثلاث بالصبيبة فخلفنا بعض الملبوس، وأجزنا إلى صفد، فأقمنا بها أياماً. ثم مر بنا مركب من مراكب ابن عثمان سلطان بلاد الروم، وصل فيه رسول كان سفر إليه عن سلطان مصر، ورجع بجوار رسالته، فركبت معهم البحر إلى غزة، ونزلت بها، وسافرت منها إلى مصر، فوصلتها في شعبان من هذه السنة، وهي سنة ثلاث وثمانمائة، وكان السلطان صاحب مصر، قد بعث من بابه سفيراً إلى الأمير تمر إجابة إلى الصلح الذي طلب منه، فأعقبني إليه. فلما قضى رسالته رجع، وكان وصوله بعد وصولي، فبعث إلي مع بعض أصحابه يقول لي: إن الأمير تمر قد بعث معي إليك ثمن البغلة التي ابتاع منك، وهي هذه فخذها، فإنه عزم علينا من خلاص ذمته من مالك هذا. فقلت لا أقبله إلا بعد إذن من السلطان الذي بعثك إليه، وأما دون ذلك فلا. ومضيت إلى صاحب الدولة فأخبرته الخبر فقال وما عليك، فقلت إن ذلك لا يجمل بي أن أفعله دون اطلاعكم عليه، فأغضى عن ذلك، وبعثوا إلي بذلك المبلغ بعد مدة، واعتذر الحامل عن نقصه بأنه أعطيه كذلك، وحمدت الله على الخلاص.

وكتبت حينئذ كتاباً إلى صاحب المغرب، عرفته بما دار بيني وبين سلطان الططر

تمر، وكيف كانت واقعته معنا بالشام، وضمنت ذلك في فصل من الكتاب نصه:

وإن تفضلتم بالسؤال عن حال المملوك، فهي خير والحمد لله، وكنت في العام الفارط توجهت صحبة الركاب السلطاني إلى الشام عندما زحف الططر إليه من بلاد الروم والعراق، مع ملكهم تمر، واستولى على حلب وحماة وحمص وبعلبك، وخربها جميعاً، وعاثت عساكره فيها بما لم يسمع أشنع منه. ونهض السلطان في عساكره لاستنقاذها، وسبق إلى دمشق، وأقام في مقابلته نحواً من شهر، ثم قفل راجعاً إلى مصر، وتخلف الكثير من أمرائه وقضاته، وكنت في المخلفين. وسمعت أن سلطانهم تمر سأل عني، فلم يسع إلا لقاؤه فخرجت إليه من دمشق، وحضرت مجلسه، وقابلني بخير، واقتضيت منه الأمان لأهل دمشق، وأقمت عنده خمسة وثلاثين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015