إلى الشام، ففعل به ما فعل، والله غالب على أمره. ثم رجع آخراً إلى بلاده، والأخبار تتصل بأنه قصد سمرقند، وهي كرسيه.
والقوم في عدد لا يسعه الإحصاء، إن قدرت ألف ألف فغير كثير، ولا تقول أنقص، وإن خيموا في الأرض ملأوا الساح، وإن سارت كتائبهم في الأرض العريضة ضاق بهم الفضاء، وهم في الغارة والنهب والفتك بأهل العمران، وابتلائهم بأنواع العذاب، على ما يحصلونه من فئاتهم آية عجب، وعلى عادة بوادي الأعراب. وهذا الملك تمر من زعماء الملوك وفراعنتهم، والناس ينسبونه
إلى العلم، وآخرون إلى اعتقاد الرفض، لما يرون من تفضيله لأهل البيت، وآخرون إلى انتحال السحر، وليس من ذلك كله في شيء، إنما هو شديد الفطنة والذكاء، كثير البحث والفجاج بما يعلم وبما لا يعلم، عمره بين الستين والسبعين، وركبته اليمنى عاطلة من سهم أصابه في الغارة أيام صباه على ما أخبرني، فيجرها في قريب المشي، ويتناوله الرجال على الأيدي عند طول المسافة، وهو مصنوع له، والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده.
كنت - لما أقمت عند السلطان تمر تلك الأيام التي أقمت - طال مغيبي عن مصر، وشيعت الأخبار عني بالهلاك، فقدم للوظيفة من يقوم بها من فضلاء المالكية، وهو جمال الدين الأقفهسي، غزير الحفظ والذكاء، عفيف النفس عن التصدي لحاجات الناس، ورع في دينه، فقلدوه منتصف جمادى الآخرة من السنة.
فلما رجعت إلى مصر، عدلوا عن ذلك الرأي، وبدا لهم في أمري، فولوني في أواخر شعبان من السنة. واستمررت على الحال التي كنت عليها من القيام بالحق، والإعراض عن الأغراض، والإنصاف من المطالب، ووقع الإنكار علي ممن لا يدين للحق، ولا يعطي النصفة من نفسه، فسعوا عند السلطان في ولاية شخص من المالكية يعرف بجمال الدين البساطي، بذل في ذلك لسعاة داخلوه، قطعة من ماله، ووجوها