قلت: مكتوب أمان يستنيمون إليه، ويعولون في أحوالهم عليه. فقال لكاتبه: أكتب لهم بذلك، فشكرت ودعوت. وخرجت مع الكاتب حتى كتب لي مكتوب الأمان، وختمه شاه ملك بخاتم السلطان، وانصرفت إلى منزلي. ولما قرب سفره واعتزم علم الرحيل عن الشام، دخلت عليه ذات يوم، فلما قضينا المعتاد، التفت إلي وقال: عندك بغلة هنا؟ قلت نعم، قال حسنة؟ قلت نعم، قال وتبيعها، فأنا اشتريها منك، فقلت: أيدك الله! مثلي لا يبيع من مثلك، إنما أنا أخدمك بها، وبأمثالها لو كانت لي، فقال: أنا أردت أن أكافئك عنها بالإحسان، فقلت: وهل بقي إحسان وراء ما أحسنت به، اصطنعتني، وأحللتني من مجلسك محل خواصك، وقابلتني من الكرامة والخير بما أرجو الله أن يقابلك بمثله، وسكت وسكت وحملت البغلة - وأنا معه في المجلس - إليه، ولم أرها بعد.
ثم دخلت عليه يوما آخر فقال لي: أتسافر إلى مصر. فقلت أيدك الله، رغبتي إنما هي أنت، وأنت قد أويت وكفلت، فإن كان السفر إلى مصر في خدمتك فنعم، وإلا
فلا بغية لي فيه، فقال لا، بل تسافر إلى عيالك وأهلك، فالتفت إلى ابنه، وكان مسافراً إلى شقحب لمرباع دوابه، واشتغل يحادثه، فقال لي الفقيه عبد الجبار الذي كان يترجم بيننا: إن السلطان يوصي ابنه بك، فدعوت له، ثم رأيت أن السفر مع ابنه غير مستبين الوجهة، والسفر إلى صفد أقرب السواحل إلينا أملك لأمري، فقلت له ذلك، فأجاب إليه، وأوصى بي قاصداً كان عنده من حاجب صفد ابن