تعظيمه، ومحبته، وامتثال إشارته، فغلب على هواه، وعظمت رياسته بين تلك القبائل. ولما استنزل السلطان أبو سعيد علي بن تروميت من جبله، نزل الشيخ معه، وسكن بفاس. وانثال عليه طلبة العلم من كل ناحية، فانتشر علمه، واشتهر ذكره؛ فلمَّا فتح السلطان أبو الحسن تلمسان ولقي أبا موسى ابن الإمام، ذكره له بأطيب الذكر، ووصفه بالتَّقدُّم في العلوم. وكان السلطان معنياً بجمع العلماء لمجلسه، كما ذكرنا، فاستدعاه من مكانه بفاس، ونظمه في طبقة العلماء بمجلسه، وعكف على التَّدريس والتَّعليم، ولازم صحابة السلطان، وحضر معه واقعة طريف، وواقعة القيروان بإفريقية؛ وكانت قد حصلت بينه وبين والدي رحمه الله صحابة، كانت وسيلتي إليه في القراءة عليه، فلزمت مجلسه، وأخذت عنه، وافتتحت العلوم العقلية بالتَّعاليم. ثم قرأت المنطق، وما بعده من الأصلين، وعلوم الحكمة؛ وعرض أثناء ذلك ركوب السلطان أساطيله من تونس إلى المغرب، وكان الشيخ في نزلنا وكفالتنا، فأشرنا عليه بالمقام، وثبطناه عن السفر، فقبل، وأقام. طالبنا به السلطان أبو الحسن، فأحسنا له العذر. وتجافى عنه، وكان من حديث
غرقه في البحر ما قدمناه. وأقام الشيخ بتونس، ونحن وأهل بلدنا جميعاً نتساجل في غشيان مجلسه، والأخذ عنه؛ فلما هلك السلطان أبو الحسن بجبال هنتاتة، وفرغ ابنه أبو عنان من شواغله، وملك تلمسان من بني عبد الواد؛ كتب فيه يطلبه من صاحب تونس، وسلطانها يومئذ أبو إسحق إبراهيم ابن السلطان أبي يحيى، في كفالة شيخ الموحدين أبي محمد بن تافراكين، فأسلمه إلى سفيره، وركب معه البحر في أسطول السلطان الذي جاء فيه السفير. ومر ببجاية، ودخلها، وأقام بها شهراً، حتى قرأ عليه طلبة العلم بها مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، برغبتهم في ذلك منه ومن صاحب الأسطول، ثم ارتحل، ونزل