من فرسان المعقول والمنقول، فلم يكن قصاراه إلا تمييز أشخاصهم، إذا ذكرهم لنا؛ لما كان به من الاختلاط. ثم حجَّ مع ذلك الرئيس، وسار في جملته إلى كربلاء، فبعث معه من أصحابه من أوصله إلى مَأْمَنه من بلاد زَوَاوَة من أطراف المغرب. وقال لي شيخنا رحمه الله: كان معي دنانير كثيرة تزَودتُها من المغرب، واستبطنتها في جُبَّة كنت ألبسها؛ فلما نزل بي ما نزل انتزعها مني حتى إذا بعث أصحابه يشيعونني إلى المغرب، دفعها إليهم، حتى إذا أوصلوني إلى المأمن، أعطوني إياها وأشهدوا علي بها في كتاب حملوه معهم إليه كما أمرهم؛ ثم قارن وصول شيخنا إلى المغرب مهلك يوسف بن يعقوب وخلاص أهل تلمسان من الحصار، فعاد إلى تلمسان، وقد أفاق من اختلاطه، وانبعثت همته إلى تعلم العلم. وكان مائلاً إلى العقليات، فقرأ المنطق على أبي موسى ابن الإمام، وجملة من الأصلين، وكان أبو حمو صاحب تلمسان يومئذ قد استفحل ملكه، وكان ضابطاً لأموره، وبلغه عن شيخنا تقدمه في علم الحساب، فدفعه إلى ضبط أمواله
ومشارفة عماله. وتفادى شيخنا من ذلك، فأكرهه عليه، فأعمل الحيلة في الفرار منه، ولحق بفاس أيام السلطان أبي الربيع، وبعث فيه أبو حمو، فاختفى بفاس عند شيخ التَّعاليم من اليهود، خلوف المغيلي؛ فاستوفى عليه فنونها، وحذق. وخرج متوارياً من فاس، فلحق بمراكش، أعوام العشر والسبع مائة. ونزل على الإمام أبي العباس بن البناء شيخ المعقول والمنقول، والمبرز في التصوف علماً وحالاً، فلزمه، وأخذ عنه، وتضلع من علم المعقول والتعاليم والحكمة، ثم استدعاه شيخ الهساكرة علي بن محمد بن تروميت ليقرأ عليه، وكان ممرضاً في طاعته للسلطان، فصعد إليه شيخنا وأقام عنده مدة؛ قرأ عليه فيها وحصل. واجتمع طلبة العلم هنالك على الشيخ، فكثرت إفادته، واستفادته، وعلي بن محمد في ذلك على