سفرنا، ودخلتها في جمادى سنة تسعين، وقضيت حق السلطان في لقائه، وإعلامه بما اجتهدت فيه من الدعاء له، فتقبل ذلك مني بقبول حسن، وأقمت فيما عهدت من رعايته وظل إحسانه. وكنت لما نزلت بالينبع، لقيت بها الفقيه الأديب المتقن، أبا القاسم بن محمد ابن
شيخ الجماعة، وفارس الأدباء، ومنفق سوق البلاغة، أبي إسحق إبراهيم الساحلي المعروف جده بالطويجن، وقد قدم حاجاً، وفي صحبته كتاب رسالة من صاحبنا الوزير الكبير العالم، كاتب سر السلطان ابن الأحمر صاحب غرناطة، الحظي لديه، أبي عبد الله بن زمرك، خاطبني فيه بنظم ونثر يتشوق، ويذكر بعهود الصحبة نصه:
سلوا البارق النجدي من علمي نجد ... تبسم فاستبكى جفوني من الوجد
أجاد ربوعي باللوى بورك اللوى ... وسح به صوب الغمائم من بعدي
ويا زاجري الأظعان وهي ضوامر ... دعوها ترد هيماً عطاشفاً على نجد
ولا تنشقوا الأنفاس منها مع الصبا ... فإن زفير الشوق من مثلها يعدي
يراها الهوى بري القداح وخطها ... حروفاً على صفح من القفر ممتد
عجبت لها أني تجاذبني الهوى ... وما شوقها شوقي ولا وجدها وجدي
لئن شاقها بين الغذيب وبارق ... مياه بفيء الظل للبان والرند
فما شاقني إلا بذور خدورها ... وقد لحن يوم النفر في قصب ملد
فكم في قباب الحي من شمس كلة ... وفي فلك الأزرار من قمر سعد
وكم صارم قد شل من لحظ أحور ... وكم ذابل قد هز من ناعم القد