فانطلقت حميد الأثر، مشيعاً من الكافة بالأسف والدعاء وحميد الثناء، تلحظني العيون بالرحمة، وتتناجى الآمال في بالعودة، ورتعت فيما كنت راتعاً فيه قبل من مراعي نعمته وظل رضاه وعنايته، قانعاً بالعافية التي
سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه، عاكفاً على تدريس علم، أو قراءة كتاب، أو إعمال قلم في تموين أو تأليف، مؤملاً من الله، قطع صبابة العمر في العبادة، ومحو عوائق السعادة بفضل الله ونعمته.
ثم مكثت بعد العزل ثلاث سنين، واعتزمت على قضاء الفريضة، فودعت السلطان والأمراء، وزودوا وأعانوا فوق الكفاية. وخرجت من القاهرة منتصف رمضان سنة تسع وثمانين، إلى مرسى الطور بالجانب الشرقي من بحر السويس، وركبت البحر من هنالك، عاشر الفطر، ووصلنا إلى الينبع لشهر، فوافينا المحمل، ورافقتهم من هنالك إلى مكة، ودخلتها ثاني ذي الحجة، فقضيت الفريضة في هذه السنة، ثم عدت إلى الينبع، فأقمت به خمسين ليلة حتى تهيأ لنا ركوب البحر، ثم سافرنا إلى أن قاربنا مرسى الطور، فاعترضتنا الرياح، فما وسعنا إلا قطع البحر إلى جانبه الغربي، ونزلنا بساحل القصير، ثم بَذْرَقْنا مع أعراب تلك الناحية إلى مدينة قوص قاعدة الصعيد، فأوحنا بها أياماً، ثم ركبنا في بحر النيل إلى مصر، فوصلنا إليها لشهر من