الأمير العراقي الى مكة على أربعة جمال، تقدّمها القاضي الجديد بكسوة الخليفة السّوادية، والرايات على رأسه، والطبول تهر وراءه، وابن عمّ الشيبي محمد بن اسماعيل معها لأنه ذكر أن أمر الخليفة نفذ بعزله عن حجابة البيت لهنات اشتهرت عنه، والله يطهر بيته المكرم بمن يرضى من خدّامه بمنه. وهذا ابن العمّ المذكور هو أشبه طريقة منه وأمثل حالا، وقد تقدم ذكر ذلك في العزلة الأولى. فوضعت الكسوة في السطح المكرم أعلى الكعبة. فلما كان يوم الثلاثاء الثالث عشر من الشهر المبارك المذكور اشتغل الشيبيون بإسبالها خضراء يانعة تقيد الأبصار حسنا، في أعلاها رسم أحمر واسع مكتوب في الصفح الموجه الى المقام الكريم حيث الباب المكرم، وهو وجهها المبارك، بعد البسملة: «ان أول بيت وضع للناس» الآية، وفي سائر الصفحات اسم الخليفة والدعاء له، وتحف بالرسم المذكور طرتان حمراوان بدوائر صغار بيض فيها رسم بخط رقيق يتضمن آيات من القرآن وذكر الخليفة أيضا. فكملت كسوتها، وشمرت أذيالها الكريمة صونا لها من أيدي الأعاجم وشدة اجتذابها وقوة تهافتها عليها وانكبابها.
فلاح للناظرين منها أجمل منظر، كأنها عروس جليت في السندس الأخضر، أمتع الله بالنظر اليها كل مشتاق الى لقائها حريص على المثول بفنائها بمنه.
وفي هذه الأيام يفتح البيت الكريم كل يوم للأعاجم العراقيين والخراسانيين وسواهم من الواصلين مع الأمير العراقي. فظهر من تزاحمهم وتطارحهم على الباب الكريم ووصول بعضهم على بعض وسباحة بعضهم على رؤوس بعض كأنهم في غدير من الماء، أمر لم ير أهول منه، يؤدي الى تلهف المهج وكسر الاعضاء.
وهم في خلال ذلك لا يبالون ولا يتوقفون، بل يلقون بأنفسهم على ذلك البيت الكريم، من فرط الطرب والارتياح، القاء الفراش بنفسه على المصباح. فعادت