مقدما من عند الخليفة للخطبة والقضاء بمكة على ما يذكر، ويعرف بتاج الدين.
وظاهر أمره البلادة والبله لأن خطبته أعربت عن ذلك، ولسانه لا يقيم الإعراب.
فلما كان اليوم الثالث تعجل الناس في الانحدار الى مكة بعد أن كمل لهم رمي تسع وأربعين جمرة: سبع منها يوم النحر بالعقبة، وهي المحلة؛ ثم احدى وعشرون في اليوم الثاني، بعد زوال الشمس، سبعا سبعا في الجمرات الثلاث؛ وفي اليوم الثالث كذلك، ونفروا الى مكة؛ فمنهم من صلى العصر بالأبطح، ومنهم من صلّاها بالمسجد الحرام، ومنهم من تعجل فصلى الظهر بالأبطح. ومضت السنّة قديما بإقامة ثلاثة أيام، بعد يوم النحر بمنى، لإكمال رمي سبعين حصاة، فوقع التعجيل في هذا الزمان في اليومين كما قال الله تبارك وتعالى: «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
، وذلك مخافة بني شعبة وما يطرأ من حرّابة المكيين.
وقد كانت في يوم الانحدار المذكور بين سودان أهل مكة وبين الأتراك العراقيين جولة وهوشة وقعت فيها جراحات وسلت السيوف وفوقت القسي ورميت السهام وانتهب بعض أمتعة التجار، لأن منى في تلك الأيام الثلاثة سوق من أعظم الأسواق يباع فيها من الجوهر النفيس الى أدنى الخرز، الى غير ذلك من الأمتعة وسائر سلع الدنيا، لأنها مجتمع أهل الآفاق. فوقى الله شرّ تلك الفتنة بتسكينها سريعا. وكانت عين الكمال في تلك الوقفة الهنيئة، وكمل للناس حجّهم، والحمد لله رب العالمين.
وفي يوم السبت، يوم النحر المذكور، سيقت كسوة الكعبة المقدّسة من محلة