تسرحهم؟ فقال: لا أفعل حتى يحفظوا القرآن. ومررت يوماً بشاب منهم حسن الصورة عليه ثياب فاخرة وفي رجله قيد ثقيل. فقلت لمن كان معي: ما فعل هذا؟ أقتل؟ ففهم عني الشاب وضحك وقيل لي: إنما قيد حتى يحفظ القرآن. ومن مساوئ أفعالهم كون الخدم الجواري والبنات الصغار يظهرن للناس عرايا باديات العورات. ولقد كنت أرى في رمضان كثيراً منهن على تلك الصورة. فإن عادة الفرارية أن يفطروا بدار السلطان ويأتي كل واحد منهم بطعامه تحمله العشرون فما فوقهن من جواريه وهن عرايا. ومنها دخول النساء على السلطان عرايا غير مستترات، وتعري بناته، ولقد رأيت في ليلة سبع وعشرين من رمضان نحو مائة جارية خرجن بالطعام من قصره عرايا، ومعهن بنتان لهما ناهدان ليس عليهما ستر. ومنها جعلهم التراب والرماد على رؤوسهم تأدباً. ومنها ما ذكرته من الأضحوكة في إنشاد الشعراء. ومنها أن كثيراً منهم يأكلون الجيف والكلاب والحمير.

وكان دخولي إلى مالي في الرابع عشر لجمادى الأولى سنة ثلاثة وخمسين وخروجي عنها في الثاني والعشرين لمحرم سنة أربع وخمسين ورافقني تاجر يعرف بأبي بكر بن يعقوب وقصدنا طريق ميمة وكان لي جمل أركبه لأن الخيل غالية الأثمان يساوي أحدها مائة مثقال فوصلنا إلى خليج كبير يخرج من النيل لا يجاز إلا في المراكب وذلك الموضع كثير البعوض فلا يمر أحد به إلا بالليل. ووصلنا الخليج ثلث الليل والليل مقمر.

ولما وصلنا الخليج رأيت على ضفته ست عشرة دابة ضخمة الخلقة فعجبت منها وظننتها فيلة لكثرتها هنالك ثم أني رأيتها دخلت في النهر. فقلت لأبي بكر بن يعقوب: ما هذه الدواب؟ فقال: هي خيل البحر خرجت ترعى في البر وهي أغلظ من الخيل ولها أعراف وأذناب ورؤوسها كرؤوس الخيل وأرجلها كأرجل الفيلة. ورأيت هذه الخيل مرة أخرى لما ركبنا النيل من تُنبكتو إلى كَوْكَوْ وهي تعوم في الماء وترفع رؤوسها وتنفخ. وخاف منها أهل المركب فقربوا من البر لئلا تغرقهم. ولهم حيلة في صيدها حسنة وذلك أن لهم رماحاً مثقوبة قد جعل في ثقبها شرائط وثيقة فيضربون الفرس منها فإن صادفت الضربة رجله أو عنقه أنفذته وجذبوه بالحبل حتى يصل إلى الساحل فيقتلونه ويأكلون لحمه ومن عظامها بالساحل كثير. وكان نزولنا عند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015