فخافت قاسا من ذلك واستجارت بدار الخطيب، وعادتهم أن يستجيروا هنالك بالمسجد وإن لم يتمكن فبدار الخطيب. وكان السودان يكرهون منسى سليمان لبخله، وكان قبله منسى مغا وقبل منسى مغا منسى موسى وكان كريماً فاضلاً يحب البيضان ويحسن إليهم وهو الذي أعطى لأبي إسحاق الساحلي في يوم واحد أربعة آلاف مثقال، وأخبرني بعض الثقات أنه أعطى لمدرك بن فقوص ثلاثة آلاف مثقال في يوم واحد وكان جده سارق جاطه أسلم على يدي مدرك هذا.
وأخبرني الفقيه مدرك هذا أن رجلاً من أهل تلمسان يعرف بابن شيخ اللبن كان قد أحسن إلى السلطان منسى موسى في صغره بسبعة مثاقيل وثلث وهو يومئذ صبي غير معتبر ثم اتفق أن جاء إليه في خصومة وهو سلطان فعرفه ودعاه وأدناه منه حتى جلس معه على البنبي ثم قرره على فعله معه وقال للأمراء ما جزاء من فعل ما فعله من الخير فقالوا له الحسنة بعشر أمثالها فأعطه سبعين مثقالاً فأعطاه عند ذلك سبعمائة مثقال وكسوة وعبيداً وخدماً وأمره أن لا ينقطع عنه وأخبرني بهذه الحكاية أيضا ولد ابن شيخ اللبن المذكور وهو من الطلبة يعلم القرآن بمالي.
فمن أفعالهم الحسنة قلة الظلم فهم أبعد الناس عنه وسلطانهم لا يسامح أحداً في شيء منه، ومنها شمول الأمن في بلادهم فلا يخاف المسافر فيها ولا المقيم من سارق ولا غاضب، ومنها عدم تعرضهم لمال من يموت ببلادهم من البيضان ولو كان القناطير المقنطرة إنما يتركونه بيد ثقة من البيضان حتى يأخذه مستحقه، ومنها مواظبتهم للصلوات والتزامهم لها في الجماعات وضربهم أولادهم عليها، وإذا كان يوم الجمعة ولم يبكر الإنسان إلى المسجد لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام. ومن عادتهم أن يبعث كل إنسان غلامه بسجادته فيبسطها له بموضع يستحقه بها حتى يذهب إلى المسجد وسجاداتهم من سعف شجر يشبه النخل ولا ثمر له، ومنها لباسهم الثياب البيض الحسان يوم الجمعة ولو لم يكن لأحدهم إلى قميص خلق غسله ونظفه وشهد به الجمعة، ومنها عنايتهم بحفظ القرآن العظيم وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقهم التقصير في حفظه فلا تفك عنهم حتى يحفظوه.
ولقد دخلت على القاضي يوم العيد وأولاده مقيدون، فقلت له: ألا