هذا الخليج بقرية كبيرة عليها حاكم من السودان حاج فاضل يسمى فربامغا "بفتح الميم والغين المعجم"، وهو ممن حج مع السلطان منسى موسى لما حج.
أخبرني فربامغا أن منسى موسى لما وصل إلى هذا الخليج كان معه قاض من البيضان يكنى بأبي العباس ويعرف بالدكالي فأحسن إليه بأربعة آلاف مثقال لنفقته. فلما وصلوا إلى ميمة شكا إلى السلطان بأن الأربعة آلاف مثقال سرقت له من داره. فاستحضر السلطان أمير ميمة وتوعده بالقتل إن لم يحضر من سرقها. وطلب الأمير السارق فلم يجد أحداً ولا سارق يكون بتلك البلاد. فدخل دار القاضي واشتد على خدامه وهدّدهم. فقالت له إحدى جواريه: ما ضاع له شيء وإنما دفنها بيده في ذلك الموضع وأشارت له إلى الموضع فأخرجها الأمير وأتى بها السلطان وعرفه الخبر فغضب على القاضي ونفاه إلى بلاد الكفار الذين يأكلون بني آدم فأقام عندهم أربع سنين ثم رده إلى بلده. وإنما لم يأكله الكفار لبياضه، لأنهم يقولون: إن أكل الأبيض مضرّ، لأنه لم ينضج. والأسود هو النضج بزعمهم.
قدمت على السلطان منسى سليمان جماعة من هؤلاء السودان الذين يأكلون بني آدم معهم أمير لهم. وعادتهم أن يجعلوا في آذانهم أقراطاً كباراً وتكون فتحة القرط نصف شبر ويلتحفون في ملاحف الحرير. وفي بلادهم يكون معدن الذهب فأكرمهم السلطان وأعطاهم في الضيافة خادماً فذبحوها وأكلوها ولطخوا وجوههم وأيديهم بدمها. وأتوا السلطان شاكرين. وأخبرت أن عادتهم متى ما وفدوا عليه أن يفعلوا ذلك. وذكر لي عنهم أنهم يقولون أن أطيب ما في لحوم الآدميات الكف والثدي. ثم رحلنا من هذه القرية التي عند الخليج فوصلنا إلى بلدة قُرِي منسا. وقرِي "بضم القاف وكسر الراء"، ومات لي بها الجمل الذي كنت أركبه فأخبرني راعيه بذلك فخرجت لأنظر إليه فوجدت السودان قد أكلوه كعادتهم في أكل الجيف فبعثت غلامين كنت استأجرتهما على خدمتي ليشتريا لي جملاً بِزَاغَري وهي على مسيرة يومين. وأقام معي بعض أصحاب أبي بكر بن يعقوب وتوجه هو لينتظرنا بميمة فأقمت سبعة أيام أضافني فيها بعض الحجاج بهذه البلدة حتى وصل الغلامان بالجمل.
وفي أيام إقامتي بهذه البلدة رأيت ليلة فيما يرى النائم كأن إنساناً يقول لي: يا محمد بن بطوطة لماذا لا تقرأ سورة يس في كل يوم؟ فمن يومئذ ما