ولم يعلمني به فذنوب ذلك الظالم في عنقه والله حسيبه وسائله. ولما قال هذا الكلام وضع الفرارية عمائمهم عن رؤوسهم وتبرؤوا من الظلم.
وحضرت الجمعة يوماً فقام أحد التجار من طلبة مسوفة ويسمى بأبي حفص فقال: يا أهل المسجد أشهدكم أن منسى سليمان في دعوتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قال ذلك خرج إليه جماعة رجال من مقصورة السلطان فقالوا له: من ظلمك؟ من أخذ لك شيئاً؟ فقال منشاجو إيوالاتن يعني مشرفها أخذ مني ما قيمته ستمائة مثقال وأراد أن يعطيني في مقابلته مائة مثقال خاصة فبعث السلطان عنه للحين فحضر بعد أيام وصرفهما للقاضي فثبت للتاجر حقه فأخذه وبعد ذلك عزل المشرف عن عمله.
واتفق في يوم إقامتي بمالي أن السلطان غضب على زوجته الكبرى بنت عمه المدعوة بقاسا ومعنى قاسا عندهم الملكة، وهي شريكته في الملك على عادة السودان، ويذكر اسمها مع اسمه على المنبر وسجنها عند بعض الفرارية، وولى في مكانها زوجته الأخرى بنجو ولم تكن من بنات الملوك فأكثر الناس الكلام في ذلك وأنكروا فعله، ودخل بنات عمه على بنجو يهنئنها بالمملكة فجعلن الرماد على أذرعهن ولم يتربن رؤوسهن ثم إن السلطان سرح قاسا من ثقافها فدخل عليها بنات عمه يهنئنها بالسراح وتزين على العادة فشكت بنجو إلى السلطان بذلك. فغضب على بنات عمه فخفن منه واستجرن بالجامع فعفا عنهن، واستدعاهن وعادتهن إذا دخلن على السلطان أن يتجردن عن ثيابهن ويدخلن عرايا، ففعلن ذلك ورضي عنهن، وصرن يأتين باب السلطان غدواً وعشياً مدة سبعة أيام وكذلك يفعل كل من عفا عنه السلطان. وسارت قاسا تركب كل يوم في جواريها وعبيدها وعلى رؤوسهم التراب وتقف عند المشور متنقبة لا يرى وجهها، وأكثر الأمراء الكلام في شأنها فجمعهم السلطان في المشور وقال لهم دوغا على لسانه: إنكم قد أكثرتم الكلام في أمر قاسا وإنها أذنبت ذنباً كبيراً.
ثم أتي بجارية من جواريها مقيدة مغلولة، فقيل لها: تكلمي بما عندك. فأخبرت أن قاسا بعثتها إلى جاطل ابن عم السلطان الهارب عنه إلى كنبرني واستدعته ليخلع السلطان عن ملكه، وقالت له: أنا وجميع العساكر طوع أمرك، فلما سمع الأمراء ذلك قالوا: إن هذا ذنب كبير وهي تستحق القتل عليه.