أربابها بين يديه. وأما حمله فقد شاهدت منه العجائب. فإنه أيده الله عفا عن الكثير ممن تعرض لقتال عساكره والمخالفة عليه وعن أهل الجرائم الكبار التي لا يعفو عن جرائمهم إلا من وثق بربه. وعلم علم اليقين معنى قوله تعالى: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} 1. قال ابن جزي: من أعجب ما شاهدته من حلم مولانا أيده الله أني منذ قدومي على بابه الكريم في آخر عام ثلاثة وخمسين إلى هذا العهد وهو أوائل عام سبعة وخمسين، لم أشاهد أحداً أمر بقتله إلا من قتلة الشرع في حد من حدود الله تعالى قصاص أو حرابة، وهذا على اتساع المملكة وانفساح البلاد واختلاف الطوائف.
ولم يسمع بمثل ذلك فيما تقدم من الأعصار، ولا فيما تباعد من الأقطار. وأما شجاعته فقد علم ما كان منه في المواطن الكريمة من الثبات والإقدام مثل يوم قتال بني عبد الوادي وغيرهم. ولقد سمعت خبر ذلك اليوم ببلاد السودان، وذكر ذلك عند سلطانهم فقال: هكذا وإلا فلا.
قال ابن جزي: لم يزل الملوك الأقدمون تتفاخر بقتل الآساد وهزائم الأعادي، ومولانا أيده الله كان قتل الأسد عليه أهون من قتل الشاة على الأسد، فإنه لما خرج الأسد على الجيش بوادي النجارين من المعمورة بحوز سلا، وتحامته الأبطال، وفرت أمامه الفرسان والرجال، برز إليه مولانا أيده الله غير محتفل به، ولا متهيب منه فطعنه بالرمح ما بين عينيه طعنة خر بها صريعاً لليدين وللفم. وأما هزائم الأعادي فإنما اتفقت للملوك بثبوت جيوشهم وإقدام فرسانهم، فيكون حظ الملوك الثبوت والتحريض على القتال. وأما مولانا أيده الله فإنه أقدم على عدوه منفرداً بنفسه الكريمة، بعد علمه بفرار الناس، وتحققه أنه لم يبق معه من يقاتل. فعند ذلك وقع الرعب في قلوب الأعداء، وانهزموا أمامه. فكان من العجائب فرار الأمم أمام واحد. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والعاقبة للمتقين، وما هو إلا ثمرة ما يمتن به أعلى الله مقامه من التوكل على الله والتفويض إليه. وأما اشتغاله بالعلم فها هو أيده الله تعالى يعقد مجالس العلم في كل يوم بعد صلاة الصبح، ويحض لذلك أعلام الفقهاء ونجباء الطلبة بمسجد قصره الكريم، فيقرأ بين يديه تفسير القرآن العظيم، وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم،