والقرع يطبخونه ويخلطونه باللبن، والبقلة الحمقاء يطبخونها كذلك، وأعين أغصان اللوز يطبخونها ويجعلون عليها اللبن، والقلقاس يطبخونه. وهذا كله متيسر بالمغرب، لكن أغنى الله عنه بكثرة اللحم والسمن والزبد والعسل وسوى ذلك. وأما الخضر فهي أقل الأشياء ببلاد مصر، وأما الفواكه فأكثرها مجلوبة من الشام، وأما العنب فإذا كان رخيصاً بيع عندهم ثلاثة أرطال من أرطالهم بدرهم نقرة، ورطلهم ثلاثة أرطال مغربية، وإذا رخص ثمنه بيع بحساب رطلين بدرهم نقرة، والإجاص يباع بحساب عشر أوراق بدرهم نقرة، وأما الرمان والسفرجل فتباع الحبة منه بثمانية فلوس وهي درهم من دارهم المغرب. وأما الخضر فيباع بالدرهم النقرة منها أقل مما يباع في بلادنا بالدرهم الصغير. وأما اللحم فيباع فيها الرطل منه من أرطالهم بدرهمين ونصف درهم نقرة. فإذا تأملت ذلك كله تبين لك أن بلاد المغرب أرخص البلاد أسعاراً، وأكثرها خيرات وأعظمها مرافق وفوائد. ولقد زاد الله بلاد المغرب شرفاً إلى شرفها وفضلاً إلى فضلها بإمامه مولانا أمير المؤمنين الذي مد ظلال الأمن في أقطارها وأطلع شمس العدل في أرجائها، وأفاض سحاب الإحسان في باديتها وحاضرتها، وطهرها من المفسدين وأقام بها رسوم الدنيا والدين. وأنا أذكر ما عاينته وتحققته من عدله وحلمه وشجاعته، واشتغاله بالعلم وتفقهه وصدقته الجارية ورفع المظالم.
أما عدله فأشهر من أن يسطر في كتاب. فمن ذلك جلوسه للمشتكين من رعيته وتخصيصه يوم الجمعة للمساكين منهم، وتقسيمه ذلك اليوم بين الرجال والنساء وتقديمه النساء لضعفهن. فتقرأ قصصهن بعد صلاة الجمعة إلى العصر ومن وصلت نوبتها نودي باسمها ووقفت بين يديه الكريمتين يكلمها دون واسطة. فإن كانت متظلمة عجل إنصافها أو طالبة إحسان وقع إسعافها. ثم إذا صليت صلاة العصر قرأت قصص الرجال، وفعل مثل ذلك فيها. ويحضر المجلس الفقهاء والقضاة فيرد إليهم ما تعلق بالأحكام الشرعية وهذا شيء لم أر في الملوك من يفعله على هذا التمام ويظهر فيه مثل هذا العدل. فإن ملك الهند عين بعض أمرائه لأخذ القصص من الناس وتخليصها ورفعها إليه دون حضور