ونفع به، ثم خرجت عنها على طريق مدرومة وسلكت طريق أخندقان. وبت بزاوية الشيخ إبراهيم. ثم سافرنا منها فبينما نحن بقرب أزغنغان، إذا خرج علينا خمسون راجلاً وفارسان. وكان معي الحاج ابن قريعات الطنجي وأخوه محمد المستشهد بعد ذلك في البحر. فعزمنا على قتالهم، ورفعنا علماً، ثم سالمونا وسالمناهم، والحمد لله، ووصلت إلى مدينة تازي، وبها تعرفت خبر موت والدتي بالوباء رحمها الله تعالى.

ثم سافرت عن تازي، فوصلت يوم الجمعة في أواخر شهر شعبان المكرم من عام خمسين وسبعمائة إلى حضرة فاس، فمثلت بين يدي مولانا الأعظم، الإمام الأكرم، أمير المؤمنين، المتوكل على رب العالمين، أبي عنان، وصل الله علوه، وكبت عدوه، فأنستني هيبته هيبة سلطان العراق، وحسنه حسن ملك الهند، وحسن أخلاقه حسن خلق ملك اليمن، وشجاعته شجاعة ملك الترك، وحلمه حلم ملك الروم، وديانته ديانة ملك تركستان، وعلمه علم ملك الجاوة. وكان بين يديه وزيره الفاضل ذو المكارم الشهيرة والمآثر الكثيرة أبو زيان بن ودرار، فسألني عن الديار المصرية إذ كان قد وصل إليها فأجبته عما سأل، وغمرني من إحسان مولانا أيده الله تعالى بما أعجزني شكره. والله ولي مكافأته. وألقيت عصى التسيار ببلاده الشريفة، بعد أن تحققت بفضل الإنصاف أنها أحسن البلدان. لأن الفواكه بها متيسرة، والمياه والأقوات غير متعذرة. وقلّ إقليم يجمع ذلك، ولقد أحسن من قال:

الغرب أحسن أرض ... ولي دليل عليه

البدر يرقب منه ... والشمس تسعى إليه

ودارهم الغرب صغيرة وفوائدها كثيرة، وإذا تأملت أسعاره مع أسعار ديار مصر والشام ظهر لك الحق في ذلك ولاح فضل بلاد المغرب. فأقول: إن لحوم الأغنام بديار مصر تباع بحساب ثمان عشرة أوقية بدرهم نقرة، والدرهم النقرة ستة دراهم من دراهم المغرب، وبالمغرب يباع اللحم إذا غلا سعره ثمانية عشر أوقية بدرهمين، وهما ثلث النقرة. وأما السمن فلا يوجد بمصر في أكثر الأوقات. والذي يستعمله أهل مصر من أنواع الإدام لا يلتفت إليه بالمغرب، ولأن أكثر ذلك العدس والحمص يطبخونه في قدور راسيات، ويجعلون عليه السيرج والبسلا، وهو صنف من الجلبان، يطبخونه ويجعلون عليه الزيت،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015