اليوم الثاني من لقائه سافرت راجعاً إلى مدينة الزيتون.

وبعد وصولي إليها بأيام جاء أمر القان بوصولي إلى حضرته على البر والكرامة. إن شئت في النهر وإلا ففي البر، فاخترت السفر في النهر فجهزوا لي مركباً حسنا من المراكب المعدة لركوب الأمراء، وبعث الأمير معنا أصحابه، ووجه لنا الأمير والقاضي والتجار المسلمون أزوادا كثيرة. وسرنا في الضيافة نتغدى بقرية ونتعشى بأخرى فوصلنا بعد سفر عشرة أيام إلى مدينة قَنْجَنْفُو "وضبط اسمها بفتح القاف وسكون النون وفتح الجيم وسكون النون الآخر وضم الفاء وواو" وهي مدينة كبيبرة حسنة في بسيط أفيح، والبساتين محدقة بها فكأنها غوطة دمشق. وعند وصولنا خرج إلينا القاضي وشيخ الإسلام والتجار ومعهم الأعلام والطبول والأبواق والأنفار وأهل الطرب. وأتونا بالخيل فركبنا ومشوا بين أيدنيا لم يركب معنا غير القاضي والشيخ. وخرج أمير البلد وخدامه. وضيف السلطان عندهم معظم أشد التعظيم. ودخلنا المدينة ولها أربعة أسوار يسكن ما بين السور الأول والثاني عبيد السلطان من حراس المدينة وسمارها، يسمون البَصْوانان "الباسوانان" "بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهمل وواو وألف ونون"، ويسكن ما بين السور الثاني والثالث الجنود لمركبون، والأمير الحاكم على البلد، ويسكن داخل السور الثالث المسلمون. وهنالك نزلنا عند شيخهم ظهير الدين القُرْلاني "بضم القاف وسكون الراء" ويسكن داخل السور الرابع الصينيون، وهوأعظم المدن الأربعة. ومقدار ما بين كل باب منها والذي يليه ثلاثة أميال وأربعة ولكل إنسان كما ذكرناه بستانه وداره وأرضه.

وبينا أنا يوماً في دار ظهير الدين القُرلاني إذا بمركب عظيم لبعض الفقهاء المعظمين عندهم فاستؤذن له علي، وقالوا: مولانا قوام الدين السبتي فعجبت من اسمه. ودخل إلي. فلما حصلت المؤانسة بعد التحية سنح لي أن أعرفه فأطلت النظر إليه، فقال: أراك تنظر إلي نظر من يعرفني. فقلت له: من أي البلاد أنت؟ فقال: من سبته. فقلت له: وأنا من طنجة. فجدد السلام علي وبكى حتى بكيت لبكائه. فقلت له: هل دخلت بلاد الهند؟ فقال لي: نعم دخلت حضرة دهلي. فلما قال لي ذلك تذكرت، وقلت له أأنت البشري؟ قال: نعم. وكان وصل إلى دهلي مع خاله أبي القاسم المرسي وهو يومئذ شاب لا نبات بعارضيه من حذاق الطلبة يحفظ الموطأ. وكنت أعلمت سلطان الهند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015