ساكن في غار بخارجها يتعبد فيه فتوجهت إلى الغار فرأيته على بابه وهو نحيف شديد الحمرة عليه أثر العبادة ولا لحية له فسلمت عليه فأمسك يدي وشمها. وقال للترجمان: هذا من طرف الدنيا كما نحن من طرفها الآخر. ثم قال لي: لقد رأيت عجباً. أتذكر قدومك الجزيرة التي فيها الكنيسة والرجل الذي كان بين الأصنام وأعطاك عشرة دنانير من الذهب؟ فقلت: نعم. فقال أنا هو فقبلت يده. وفكر ساعة ثم دخل الغار فلم يخرج إلينا وكأنه ظهر منه الندم على ما تكلم به فتجهمنا ودخلنا عليه فلم نجده. ووجدنا بعض أصحابه ومعه جملة بوالشت من الكاغد فقال: هذه ضيافتكم فانصرفوا. فقلنا له: ننتظر الرجل. فقال لو أقمتم عشر سنين لم تروه فإن عادته إذا أطلع أحد على سر من أسراره لا يراه بعده ولا تحسب أنه غاب عنك بل هو حاضر معك فعجبت من ذلك وانصرفت. فاعلمت القاضي وشيخ الإسلام وأوحد الدين السنجاري بقضيته، فقالوا: كذلك عادته مع من يأتي إليه من الغرباء ولا يعلم أحد ما ينتحله من الأديان والذي ظننتموه أحد أصحابه هو. وأخبروني أنه غاب عن هذه البلاد نحو خمسين سنة ثم قدم عليها منذ سنة. وكان السلاطين والأمراء والكبراء يأتونه زائرين فيعطيهم التحف على أقدارهم. ويأتيه الفقراء كل يوم فيعطي لكل احد على قدره. وليس في الغار الذي هو به ما يقع عليه البصر وأنه يحدث عن السنين الماضية ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: لوكنت معه لنصرته ويذكر الخليفتين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب بأحسن الذكر ويثني عليهما. ويلعن يزيد بن معاوية ويقع في معاوية. وحدثوني عنه بأمور كثيرة. وأخبرني أوحد الدين السنجاري قال: دخلت عليه الغار فأخذ بيدي فخيل لي أني في قصر عظيم وأنه قاعد فيه على سرير وفوق رأسه تاج وعن جانبيه الوصائف الحسان والفواكه تتساقط في أنهار هنالك وتخيلت أني أخذت تفاحة لآكلها فإذا أنا بالغار وبين يديه وهو يضحك مني وأصابني مرض شديد لازمني شهوراً فلم أعد إليه.
وأهل تلك البلاد يعتقدون أنه مسلم. لكن لم يره أحد يصلي وأما الصيام فهو صائم أبداً. وقال لي القاضي: ذكرت له الصلاة في بعض الأيام فقال لي أتدري أنت ما أصنع؟ أن صلاتي غير صلاتك. وأخباره جميعها غريبة. وفي