بأمره، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وطلب منه الإقامة عنده فأبى. وكان قصده في بلاد الصين فعظم شأنه بها، واكتسب الأموال الطائلة. أخبرني أن له نحو خمسين غلاماً ومثلهم من الجواري وأهدى إلي منهم غلامين وجاريتين وتحفاً كثيرة. ولقيت أخاه بعد ذلك ببلاد السودان فيا بعد ما بينهما. وكانت إقامتي بقنجنفو خمسة عشر يوماً.
وسافرت منها. وبلاد الصين على ما فيها من الحسن لم تكن تعجبني، بل كان خاطري شديد التغير بسبب غلبة الكفر عليها. فمتى خرجت عن منزلي رأيت المناكير الكثيرة فأقلقني ذلك حتى كنت ألازم المنزل فلا أخرج إلا للضرورة وكنت إذا رأيت المسلمين بها فكأني لقيت أهلي وأقاربي. ومن تمام فضيلة هذا الفقيه البشري أن سافر معي لما رحلت عن قنجنفو أربعة أيام حتى وصلت إلى مدينة بَيْوَمقُطْلو "وهي بباء موحدة مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة ووواو مفتوحة وميم وقاف مضمومة وطاء مسكنة وطاء مسكنة ولام مضموم وواو" مدينة صغيرة يسكنها الصينيون من جند وسوقة وليس بها للمسلمين إلا أربعة من الدور أهلها من جهة الفقيه المذكور. نزلنا بدار أحدهم وأقمنا عنده ثلاثة أيام ثم ودعت الفقيه وانصرفت. فركبت النهر على العادة نتغدى بقرية ونتعشى بأخرى إلى أن وصلنا بعد سبعة عشر يوماً منها إلى مدينة الخنساء واسمها على نحو اسم الخنساء الشاعرة، ولا أدري أعربي هو أم وافق العربي. وهذه المدينة أكبر مدينة رأيتها على وجه الأرض. طولها مسيرة ثلاثة أيام يرحل المسافر فيها وينزل.
وهي على ما ذكرناه من ترتيب عمارة الصين كل واحد له بستانه وداره وهي منقسمة إلى ست مدن سنذكرها. وعند وصولنا إليها خرج إلينا قاضيها فخر الدين وشيخ الإسلام بها وأولاد عثمان بن عفان المصري، وهم كبراء المسلمين بها، ومعهم علم أبيض والأطبال والأنفار والأبواق. وخرج أمير ها في موكبه ودخلنا المدينة. وهي ست مدن على كل مدينة سور ومحدق بالجميع سور واحد.
فأول مدينة منها يسكنها حراس المدينة وأميرهم. حدثني القاضي وسواه انهم اثنا عشر ألفا في زمام العسكرية. وبتنا ليلة دخولنا في دار أميرهم. وفي اليوم الثاني دخلنا المدينة الثانية على باب يعرف بباب اليهود ويسكن بها اليهود والنصارى والترك عبدة الشمس وهم كثير. وأمير هذه المدينة من أهل الصين. وبتنا عنده الليلة الثانية.