فيتحامون مبارزتها خوف المعرة إن غلبتهم. ثم سافرنا عن بلاد طوالسي فوصلنا بعد سبعة عشر يوماً والريح مساعدة لنا ونحن نسير بها أشد السير وأحسنه إلى بلاد الصين. وإقليم الصين متسع كثير الخيرات والفواكه والزرع والذهب والفضة لا يضاهيه في ذلك إقليم من أقاليم الأرض. ويخترقه النهر المعروف بآب حياة، معنى ذلك ماء الحياة ويسمى أيضا نهر السبر "السرو" كاسم النهر بالهند ومنبعه من جبال بقرب مدينة خان بالق تسمى كوه بوزنه، معناه: جبل القرود ويمر في وسط الصين مسيرة ستة أشهر إلى أن ينتهي إلى صين الصين. وتكتنفه القرى والمزارع والبساتين والأسواق كنيل مصر، إلا أن هذا أكثر عمارة وعليه النواعير الكثيرة.
وببلاد الصين السكر الكثير مما يضاهي المصري بل يفضله والأعناب والإجاص. وكنت أظن أن الإجاص العثماني الذي بدمشق لا نظير له حتى رأيت الإجاص الذي بالصين. وبها البطيخ العجيب يشبه بطيخ خوارزم وأصفهان. وكل ما ببلادنا من الفواكه فإن بها ما هو مثله وأحسن منه. والقمح بها كثير جداً ولم أر قمحاً أطيب منه، وكذلك العدس والحمص.
وأما الفخار الصيني فلا يصنع منه إلا بمدينة الزيتون وبصين كلان. وهو من تراب جبال هنالك تقد فيه النار كالفحم وسنذكر ذلك، ويضيفون إليه حجارة عندهم. ويوقدون النار عليها ثلاثة أيام ثم يصبون عليها الماء فيعود الجميع تراباً ثم يخمرونه، فالجيد منه ما خمر شهراً كاملاً ولا يزاد على ذلك. والدون ما خمر عشرة أيام. وهو هنالك بقيمة الفخار ببلادنا أو أرخص ثمناً ويحمل إلى الهند وسائر الأقاليم حتى يصل إلى بلاد بالمغرب وهو أبدع أنواع الفخار.
ودجاج الصين وديوكها ضخمة جداً أضخم من الأوز عندنا وبيض الدجاج عندهم أضخم من بيض الأوز عندنا، وأما الأوز عندهم فلا ضخامة لها. ولقد اشترينا دجاجة فأردنا طبخها فلم يسع لحمها في برمة واحدة فجعلناه في برمتين. ويكون الديك بها على قدر النعامة. وربما انتتف ريشه فيبقى بضعة حمراء. وأول ما رأيت الديك الصيني بمدينة كولم فظننته نعامة وعجبت منه، فقال لي صاحبه: إن ببلاد الصين ما هو أعظم منه. فلما وصلت إلى الصين رأيت مصداق ما أخبرني به من ذلك.