أنها من تربة أرض تجاوره. ولا ريح فيه ولا موج ولا حركة مع اتساعه. ولأجل هذا البحر تتبع كل جنك من جنوك الصين ثلاثة من مراكب، كما ذكرناه، تجذف به فتجره. ويكون في الجنك مع ذلك نحو عشرين مجذافاً كبار كالصواري، يجتمع على المجذاف منها ثلاثون رجلاً أو نحوها ويقومون قياماً صفين كل صف يقابل الآخر. وفي المجذاف حبلان عظيمان كالطوابيس. فتجذف إحدى الطائفتين الحبل ثم تتركه وتجذف الطائفة الأخرى. وهم يغنون عند ذلك بأصواتهم الحسان، وأكثر ما يقولون: لعلى لعلى. وأقمنا على ظهر هذا البحر سبعة وثلاثين يوماً وعجبت البحرية من التسهيل فيه فإنهم يقيمون فيه خمسين يوماً إلى أربعين وهي أنهى ما يكون التيسير عليهم. ثم وصلنا إلى بلاد طوالسي وهي "بفتح الطاء المهمل والواو وكسر السين المهمل" وملكها هو المسمى بطوالسي. وهي بلاد عريضة وملكها يضاهي ملك الصين. وله الجنوك الكثيرة يقاتل بها أهل الصين حتى يصالحوه على شيء. وأهل هذه البلاد عبدة أوثان حسان الصورة أشبه الناس بالترك في صورهم والغالب على ألوانهم الحمرة ولهم شجاعة ونجدة. ونساؤهم يركبن الخيل ويحسن الرماية ويقاتلن كالرجال سواء. وأرسينا من مراسيهم بمدينة كَيْلُوكِري "وضبطها بكاف مفتوح وياء آخر الحروف مسكنة ولام مضموم وراء مكسور"، وهي من أحسن مدنهم وأكبرها وكان يسكن بها ابن ملكهم. فلما أرسينا بالمرسى جاءت عساكرهم ونزل الناخوذة إليهم ومعه هدية لابن الملك فسألهم عنه فأخبروه أن أباه ولاه بلداً غيره وولى بنته بتلك المدينة واسمها أُرْدُجا "بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال المهمل وجيم".
ولما كان اليوم الثاني من حلولنا بمرسى كيلوكري، استدعت هذه الملكة الناخوذة صاحب المركب والكراني وهو الكاتب والتجار والرؤساء والتنديل وهو مقدم الرجال وسباه سالار وهو مقدم الرماة لضيافة صنعتها لهم على عادتها. ورغب الناخوذة مني أن أحضر معهم. فأبيت لأنهم كفار لا يجوز أكل طعامهم. فلما حضروا عندها قالت لهم: هل بقي أحد منكم لم يحضر؟ فقال لها الناخوذة: لم يبق إلى رجل واحد بَخْشِي، وهو القاضي بلسانهم، وبخشي "بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء وكسر الشين المعجمة"، وهو لا يأكل طعامكم. فقالت: ادعوه. فجاء جنادرتها وأصحاب الناخوذة، فقالوا: أجب