آخرها مضموم ولامها مفتوح"، وهي مدينة حسنة، عليها سور من حجارة منحوتة عرضه بحيث تسير فيه ثلاثة من الفيلة. وأول ما رأيت بخارجها الفيلة عليها الأحمال من العود الهندي يوقدونه في بيوتهم وهو بقيمة الحطب عندنا أو أرخص ثمناً هذا إذا ابتاعوا فيما بينهم. وأما التجار فيبيعونه الحمل منه بثوب من ثياب القطن وهي أغلى عندهم من ثياب الحرير. والفيلة بها كثيرة جداً عليها يركبون ويحملون وكل إنسان يربط فيلته على بابه، وكل صاحب حانوت يربط فيله عنده يركبه إلى داره ويحمل له. وكذلك جميع أهل الصين والخطا على مثل هذا الترتيب.

وكان سلطان مُل جاوة كافراً، رأيته خارج قصره جالساً على قبة ليس بينه وبين الأرض بساط، ومعه أرباب دولته. والعساكر يعرضون عليه مشاة ولا خيل هنالك إلا عند السلطان وإنما يركبون الفيلة وعليها يقاتلون. فعرف شأني فاستدعاني فجئت، وقلت: السلام على من ابتع الهدى، فلم يفقهوا إلا لفظ السلام. فرحب بي وأمر أن يفرش لي ثوب أقعد عليه، فقلت للترجمان: كيف أجلس على الثوب والسلطان قاعد على الأرض؟ فقال: هكذا عادته يقعد على الأرض تواضعاً، وأنت ضيف، وجئت من عند سلطان كبير فيجب إكرامك، فجلست وسألني عن السلطان فأوجز في سؤاله، وقال لي: تقيم عندنا في الضيافة ثلاثة أيام وحينئذ يكون انصرافك.

ورأيت في مجلس هذا السلطان رجلاً بيده سكين شبه سكين المسعر قد وضعه على رقبة نفسه وتكلم بكلام كثير لم أفهمه ثم أمسك السكين بيديه معاً وقطع عنف نفسه فوقع رأسه لحدة السكين وشدة إمساكه بالأرض فعجبت من شأنه وقال لي السلطان: أيفعل أحد هذا عندكم؟ فقلت له: ما رأيت هذا قط. فضحك، وقال: هؤلاء عبيدنا يقتلون أنفسهم في محبتنا. وأمر به فرفع وأحرق وخرج لإحراقة النواب وأرباب الدولة والعساكر والرعايا وأجرى الرزق الواسع على أولاده وأهله وإخوانه وعظموا لأجل فعله. وأخبرني من كان حاضراً في ذلك المجلس أن الكلام الذي تكلم به كان تقريراً لمحبته في السلطان وأنه يقتل نفسه في حبه كما قتل أبوه نفسه في حب أبيه وجده نفسه في حب جده ثم انصرفت عن المجلس وبعث إلي بضيافة ثلاثة أيام. وسافرنا في البحر فوصلنا بعد أربعة وثلاثين يوماً في البحر الكاهل، وهو الراكد وفيه حمرة زعموا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015