النفيس منها من غيره، فقال لي هل رأيت مغاص الجوهر في البلاد التي جئت منها؟ فقلت له: نعم رأيته بجزيرة قيس وجزيرة كش التي لابن السواملي. فقال: سمعت بها. ثم أخذ حبات منه فقال: أيكون في تلك الجزيرة مثل هذه؟ فقلت له: رأيت ما هو دونها. فأعجبه ذلك، وقال هي لك. وقال لي: لا تستحي واطلب مني ما شئت. فقلت له: ليس مرادي منذ وصلت هذه الجزيرة إلا زيارة القدم الكريمة قدم آدم عليه السلام وهم يسمونه "بابا" ويسمون حواء "ماما". فقال: هذا هين نبعث معك من يوصلك. فقلت: ذلك أريد. ثم قلت له: وهذا المركب الذي جئت فيه يسافر آمناً إلى المعبر. وإذا عدت أنا بعثتني في مراكبك. فقال: نعم. فلما ذكرت ذلك لصاحب المركب قال لي لا أسافر حتى تعود ولو أقمت سنة بسببك فأخبرت السلطان بذلك. فقال: يقيم في ضيافتي حتى تعود. فأعطاني دولة يحملها عبيده على أعناقهم وبعث معي أربعة من الجوكية الذين عادتهم السفر كل عام إلى زيارة القدم وثلاثة من البراهمة وعشرة من سائر أصحابه وخمسة عشر رجلاً يحملون الزاد. وأما الماء فهو بتلك الطريق كثير. ونزلنا ذلك اليوم على واد جزناه في معدية مصنوعة من قصب الخيزران. ثم رحلنا من هنالك إلى مَنَارمَنْدلي "وضبط ذلك بفتح الميم والنون وألف وراء مسكنة وميم مفتوحة ونون مسكن ودال مهمل مفتوح ولام مكسور وياء"، مدينة حسنة هي آخر عمالة السلطان. أضافنا أهلها ضيافة حسنة وضيافتهم عجول الجواميس يصطادونها بغابة هنالك ويأتون بها أحياء ويأتون بالأرز والسمن والحوت والدجاج واللبن. وليس بالمدينة مسلمٌ غير رجل خراساني انقطع بسبب مرضه فسافر معنا. ورحلنها إلى بَنْدَرْسَلاَوَات "وضبطه بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهمل وسكون الراء وفتح السين المهمل واللام وألف وتاء معلوة"، بلدة صغيرة. وسافرنا في أوعار كثيرة المياه بها الفيلة الكثيرة إلا أنها لا تؤذي الزوار والغرباء، وذلك ببركة الشيخ أبي عبد الله بن خفيف رحمه الله، وهو أول من فتح هذا الطريق إلى زيارة القدم. وكان هؤلاء الكفار يمنعون المسلمين من ذلك ويؤذونهم ولا يؤاكلونهم ولا يبايعونهم. فلما اتفق للشيخ أبي عبد الله ما ذكرناه في السفر الأول من قتل الفيلة لأصحابه وسلامته من بينهم وحمل الفيل له على ظهره صار الكفار من ذلك العهد يعظّمون المسلمين ويدخلونهم دورهم ويطعمون معهم ويطمئنون لهم بأهلهم وأولادهم وهم إلى الآن يعظمون الشيخ المذكور أشد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015