فيأخذها عبيده مع الودع الذي يجعل على طريقه أيضاً، والوزير ماش على قدميه، وعليه فرجية مصرية من المرعز وعمامة كبيرة وهو متقلد فوطة حرير وفوق رأسه أربعة شطور وفي رجليه النعل وجميع الناس سواه حفاة. والأبواق والأنفار والأطبال بين يديه والعساكر أمامه وخلفه، وجميعهم يكبرون، حتى أتوا المصلى فخطب ولده بعد الصلاة. ثم أتى بمحفة فركب فيها الوزير وخدم الأمراء والوزراء ورموا بالثياب على العادة ولم يكن ركب في المحفة قبل ذلك لأن ذلك لا يفعله إلا الملوك، ثم رفعه الرجال وركبت فرسي ودخلنا القصر، فجلس بموضع مرتفع وعنده الوزراء والأمراء ووقف العبيد بالترسة والسيوف والعصي. ثم أتي بالطعام ثم بالفوفل والتنبول ثم أتى بصحيفة صغيرة فيها الصندل المقاصري فإذا أكلت جماعة من الناس تلطخوا بالصندل. ورأيت على بعض طعامهم يومئذ حوتاً من السردين مملوحاً غير مطبوخ، أهدي لهم من كولم وهو ببلاد المليبار كثير، فأخذ الوزير سردينة وجعل يأكلها، وقال لي: كل منه، فإنه ليس ببلادنا، فقلت: كيف آكله وهو غير مطبوخ، فقال: إنه مطبوخ، فقلت: أنا أعرف به فإنه ببلادي كثير.
وفي الثاني من شوال اتفقت مع الوزير سليمان ماناياك على تزوج بنته. فبعث إلى الوزير جمال الدين أن يكون عقد النكاح بين يديه بالقصر فأجاب إلى ذلك وأحضر التنبول على العادة والصندل وحضر الناس وأبطأ الوزير سليمان فاستدعي فلم يأت ثم استدعي ثانية فاعتذر بمرض البنت. فقال لي الوزير سراً: إن بنته امتنعت وهي مالكة أمر نفسها والناس قد اجتمعوا فهل لك أن تتزوج بربيبة السلطانة زوجة أبيها وهي التي ولده متزوج بنتها، فقلت له: نعم. فاستدعى القاضي والشهود ووقعت الشهادة ودفع الوزير الصداق. ورفعت إلي بعد أيام فكانت من خيار النساء وبلغ حسن معاشرتها أنها كانت إذا تزوجت عليها تطيبني وتبخر أثوابي وهي ضاحكة لا يظهر عليها تغير. ولما تزوجتها أكرهني الوزير على القضاء. وسبب ذلك اعتراضي على القاضي ولكونه كان يأخذ العشر من التركات إذا قسمها على أربابها، فقلت له: إنما لك أجرة تتفق بها مع الورثة ولم يكن يحسن شيئاً فلما وليت اجتهدت جهدي في إقامة رسوم الشرع وليست هنالك خصومات كما هي ببلادنا. فأول ما غيرت من عوائد السوء مكث المطلقات في ديار المطلقين. وكانت إحداهنّ لا