السلطان والناس معه فوجدوه على حاله من التلاوة فكسروا الأصنام وهدموا البدخانة وأسلم أهل الجزيرة وبعثوا إلى سائر الجزائر فأسلم أهلها. وأقام المغربي عندهم معظماً وتمذهبوا بمذهبه مذهب الإمام مالك رضي الله عنه وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه. وبنى مسجد هو معروف باسمه، وقرأت على مقصورة الجامع منقوشاً في الخشب أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي. وجعل ذلك السلطان ثلث مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل إذ كان إسلامه بسببهم، فسمي على ذلك حتى الآن، وبسبب هذا العفريت خرب من هذه الجزائر كثير قبل الإسلام.
ولما دخلناها لم يكن لي علم بشأنه فبينا أنا ليلة في بعض شأني سمعت الناس يجهرون بالتهليل والتكبير ورأيت الأولاد وعلى رؤوسهم المصاحف والنساء يضربون في الطسوت وأواني النحاس فعجبت من فعلهم وقلت ما شأنكم؟ فقالوا: ألا تنظر إلى البحر فنظرت فإذا مثل المركب الكبير وكأنه مملوءٌ سرجاً ومشاعل، فقالوا ذلك العفريت وعادته أن يظهر مرة في الشهر فإذا فعلنا ما رأيت انصرف عنا ولم يضرنا.
ومن عجائبها أن سلطانتها امرأة وهي خديجة بنت السلطان جلال الدين عمر بن السلطان صلاح الدين صالح البنجالي. وكان الملك لجدها ثم لأبيها، فلما مات أبوها ولي أخوها شهاب الدين وهو صغير السن فتزوج الوزير عبد الله بن محمد الحضرمي أمه وغلب عليه وهو الذي تزوج أيضا هذه السلطانة خديجة بعد وفاة زوجها الوزير جمال الدين كما سنذكره. فلما بلغ شهاب الدين مبلغ الرجال أخرج ربيبة الوزير عبد الله ونفاه إلى جزائر السويد واستقل بالملك واستوزر أحد مواليه ويسمى علي كلكي ثم عزله بعد ثلاثة أعوام ونفاه إلى السويد. وكان يذكر عن السلطان شهاب الدين المذكور أنه يختلف إلى حرم أهل دولته وخواصه بالليل، فخلعوه لذلك ونفوه إلى إقليم هلدتني وبعثوا من قتله بها. ولم يكن بقي من بيت الملك إلا أخواته خديجة الكبرى ومريم وفاطمة، فقدموا خديجة سلطانة وكانت متزوجة لخطيبهم جمال الدين فصار وزيراً وغالباً على الأمر وقدم ولده محمدا للخطابة عوضا عنه. ولكن الأوامر إنما تنفذ باسم خديجة. وهم يكتبون الأوامر في سعف النخل بحديدة معوجة شبه السكين. ولا يكتبون في الكاغد إلا المصاحف وكتب العلم،