عن بلادهن أبداً. ولم أر في الدنيا أحسن معاشرة منهن. ولا تكل المرأة عندهم خدمة زوجها إلى سواها، بل هي تأتيه بالطعام وترفعه من بين يديه وتغسل يده وتأتيه بالماء للوضوء وتغم رجليه عند النوم. ومن عوائدهن أن لا تأكل المرأة مع زوجها ولا يعلم الرجل ما تأكله المرأة، ولقد تزوجت بها نسوة فأكل معي بعضهن بعد محاولة، وبعضهن لم تأكل معي ولا أستطعت أن أراها تأكل ولا نفعتني حيلة في ذلك.

وحدثني الثقات من أهلها كالفقية عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله، وجماعة سواهم، أن هذه الجزائر كانوا كفاراً وكان يظهر لهم في كل شهر عفريت من الجن يأتي ناحية البحر كأنه مركب مملوء بالقناديل. وكانت عادتهم إذا رأوه أخذوا جارية بكراً فزينوها وأدخلوها إلى بدخانة وهي بيت الأصنام وكان مبنياً على ضفة البحر وله طاق ينظر إليه، ويتركونها هنالك ليلة ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضة ميتة. ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم فمن أصابته القرعة أعطى بنته، ثم أنه قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري وكان حافظاً للقرآن العظيم فنزل بدار عجوز منهم يجزيرة المهل فدخل عليها يوماً وقد جمعت أهلها وهن يبكين كأنهن في مأتم فساتفهمهن عن شأنهن فلم يفهمنه فأتى ترجمان فأخبره أن العجوز كانت القرعة عليها وليس لها إلا بنت واحدة يقتلها العفريب. فقال لها أبو البركات: أنا أتوجه عوضاً من بنتك بالليل. وكان سُناطاً لا لحية له، فاحتملوه تلك الليلة وأدخلوه إلى بدخانة، وهو متوضئ، وأقام يتلو القرآن ثم ظهر له العفريت من الطاق فداوم التلاوة فلما كان بحيث يسمع القراءة غاص في البحر وأصبح المغربي وهو يتلو على حاله فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها فوجدوا المغرب يتلوا فمضو إلى ملكهم وكان يسمى شَنُورازة "بفتح الشين المعجم وضم النون وواو وراء وألف وزاي وهاء"، واعلموه بخبره فعجب منه وعرض المغربي عليه الإسلام ورغبه فيه، فقال له: أقم عندنا إلى الشهر الآخر فإن فعلت كفعلك ونجوت من العفريت أسلمت. فأقام عندهم وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته، ثم حمل المغربي لما دخل الشهر إلى بدخانة ولم يأت العفريت فجعل يتلو حتى الصباح. وجاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015