غيلان والسدر، فكنت أجني النبق فآكله حتى أثر الشوك في ذراعي آثاراً هي باقية به حتى الآن.

ثم نزلت من ذلك الجبل إلى أرض مزدرعة قطناً وبها أشجار الخروع، وهنالك باين والباين عندهم بئر متسعة جدّاً مطوية بالحجارة لها درج ينزل عليها إلى ورد الماء وبعضها يكون في وسطه وجوانبه القباب من الحجر والسقائف والمجالس ويتفاخر ملوك البلاد وأمراؤها بعمارتها في الطرقات التي لا ماء بها وسنذكر بعض ما رأينا منها فيما بعد. ولما وصلت إلى الباين شربت منه ووجدت عليه شيئاً من عساليج الخردل قد سقطت لمن غسلها فأكلت منها وادخرت باقيها ونمت تحت شجرة خروع. فبينما أنا كذلك إذ ورد الباين نحو أربعين فارساً مدّرعين فدخل بعضهم إلى المزرعة ثم ذهبوا وطمس الله أبصارهم دوني. ثم جاء بعدهم نحو خمسين في السلاح ونزلوا الباين وأتى أحدهم إلى شجرة إزاء الشجرة التي كنت تحتها فلم يشعر بي. ودخلت إذ ذاك في مزرعة القطن وأقمت بها بقية نهاري وأقاموا على الباين يغسلون ثيابهم ويلعبون فلما كان الليل هدأت أصواتهم. فعلمت أنهم قد مروا أو ناموا، فخرجت حينئذ واتبعت أثر الخيل والليل مقمر وسرت حتى انتهيت إلى باين آخر عليه قبة فنزلت إليه وشربت من مائه وأكلت من عساليج الخردل التي كانت عندي ودخلت القبة فوجدتها مملوءة بالعشب مما يجمعه الطير فنمت بها. وكنت أحس حركة حيوان في ذلك العشب أظنه حية فلا أبالي بها لما بي من الجهد. فلما أصبحت سلكت طريقاً واسعة تفضي إلى قرية خربة وسلكت سواها فكانت كمثلها وأقمت كذلك أياماً وفي بعضها وصلت إلى أشجار ملتفة بينها حوض ماء وداخلها شبه بيت وعلى جوانب الحوض نبات الأرض كالنجيل وغيره. فأردت أن أقعد هنالك حتى يبعث الله من يوصلني إلى العمارة ثم إني وجدت يسير قوة فنهضت على طريق وجدت بها أثر البقر ووجدت ثوراً عليه بردعة ومنجل فإذا تلك الطريق تفضي إلى قرى الكفار. فاتبعت طريقاً أخرى فأفضت بي إلى قرية خربة ورأيت بها أسودين عريانين فخفتهما وأقمت تحت أشجار هنالك فلما كان الليل دخلت القرية ووجدت داراً في بيت من بيوتها شبه خابية كبيرة يصنعونها لاختزان الزرع وفي أسفلها نقب يسع منه الرجل فدخلتها ووجدت داخلها مفروشاً بالتبن وفيه حجر جعلت رأسي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015