عظيم، يأتي إليه أهل اليمن وأهل فارس وغيره. وبذلك عظمت جبايتها وكثرت أموالها. أخبرني الأمير علاء الملك المذكور أن مجبى هذه المدينة ستون لكّاً في السنة وقد ذكرنا مقدار اللك، وللأمير من ذلك نم "نيم" ده يك، ومعناه نصف العشر. وعلى ذلك يعطي السلطان البلاد لعماله يأخذون منها لأنفسهم نصف العشر.
وركبت يوماً مع علاء الملك فانتهينا إلى بسيط من الأرض على مسافة سبعة أميال منها يعرف بتارنا، فرأيت هنالك ما لا يحصره العد من الحجارة على مثل صور الآدميين والبهائم وقد تغير كثير منها ودثرت أشكاله فيبقى منه صورة رأس أو رجل أو سواهما. ومن الحجارة أيضاً على صورة الحبوب من البر والحمص والفول والعدسـ وهنالك آثار سور وجدران دور، ثم رأينا رسم دار فيها بيت من حجارة منحوتة وفي وسطه دكانة حجارة منحوتة كأنها حجر واحد عليها صورة آدمي إلا أن رأسه طويل وفمه في جانب من وجهه ويداه خلف ظهره كالمكتوف وهنالك مياه شديدة النتن وكتابة على بعض الجدران بالهندي وأخبرني علاء الملك أن أهل التاريخ يزعمون أن هذا الموضع كانت فيه مدينة أكثر أهلها الفساد فمسخوا حجارة وأن ملكهم هو الذي على الدكانة في الدار التي ذكرناه وهي الآن تسمى دار الملك وإن الكتابة التي على بعض الحيطان هنالك بالهندي هي تاريخ هلاك أهل تلك المدينة وكان ذلك منذ ألف سنة أو نحوها وأقمت بهذه المدينة مع علاء الملك خمسة أيام ثم أحسن في الزاد، وانصرفت عنه إلى مدينة بَكَار "بفتح الباء الموحدة" وهي مدينة حسنة يشقها خليج من نهر السند وفي وسط ذلك الخليج زاوية حسنة فيها الطعام للوارد والصادر عمّرها كشلوخان أيام ولايته على بلاد السند وسيقع ذكره. ولقيت بهذه المدينة الفقيه الإمام صدر الدين الحنفي، ولقيت بها قاضيها المسمى بأبي حنيفة، ولقيت بها الشيخ العابد الزاهد شمس الدين محمد الشيرازي وهو من المعمرين ذكر لي أن سنه يزيد على مائة وعشرين عاماً. ثم سافرت من مدينة بكَار فوصلت إلى مدينة أُوجَه "وضبط اسمها بضم الهمزة وفتح الجيم" وهي مدينة كبيرة على نهر السند لها أسواق حسنة وعمارة جيدة. وكان الأمير بها إذ ذاك الملك الفاضل الشريف جلال الدين الكيجي أحد الشجعان الكرماء. وبهذه المدينة توفي بعد سقطة سقطها عن فرسه.