السنة الخالية على ما تقدم في شهر رمضان أراد غلمانه أن يجزوا شعورهم ويهلبوا أذيال الخيول على ما جرت به العادة؛ فمنع من ذلك وقال: والدي عليه ديون، ولا نأمن أن يخرّج عليه ديوان الجيش تفاوتاً فإذا فعلنا ذلك نقصت قيمة المماليك والخيول، ثم إن هذا فساد لا معنى له ولا يجوز فعله. ثم تقدم إلى الطباخ أن يذبح ويطبخ على العادة، فلام بعض الجماعة وقبّحوا فعله؛ فقال: هذا شهر رمضان وعندنا جماعة كثيرة من غلمان وغيرهم، فإذا لم يطبخ بقوا بلا عشاء. قيل: له الناس يحملون، قال: الذي كان يحمل من أجله مات. فلما أذن المغرب عمل السكر والليمون على العادة وأسقى الناس على ما كان يعمل والده، ومد السماط فأكل جميع الغلمان والحاشية وغيرهم، وشكره من كان لامه لأن أحداً لم يحمل شيئاً، ثم إنه باع موجود والده ووفى جميع أرباب الديون مالهم، ومن ادعى بشيء ولم يكن له بينة واستحلفه وأعطاه وسافر وجميع من بالرحبة داعون له. فلما وصل دمشق أقام بها وجمع أطرافه، وتاب عن أمور كان يعانيها، ولازم الصلاة والصوم في كثير من الأيام. فلما كان يوم الخميس ركب للصيد وهو صائم وخرج إلى أراضي الحرجلة، فمرّ بحصانه على جسر حجر على نهر قد قيد فنزل ونزل به الحصان في النهر وخرج الحصان سباحة فساق مملوكه إلى البلد ورمى السوط، فركب نائب السلطنة بنفسه وأخذ معه من يسبح ووقفوا على المكان الذي غرق فيه ودوّروا ما جاوره فلم يجدوا له أثراً، وبقوا على ذلك يومين ثم وجدوه على بعد من ذلك المكان، وقد علّق فردة مهمازة بسباحه فاستخرجوه غريقاً وغسلوه ودفنوه بسفح جبل قاسيون