ثم أكثر المتعمقين في العلم من المتأخرين يقترن بتعمقهم التكلف المذموم وهو القول والعمل بلا علم وطلب مالا يدرك. وأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا - مع أنهم أكمل الناس علما نافعا وعملا صالحا - أقل الناس تكلفا؛ يصدر عن أحدهم الكلمة والكلمتان من الحكمة أو من المعارف ما يهدي الله بها أمة. وتجد غيرهم يحشون الأوراق من التكلفات والشطحات ما هو من أعظم الفضول المبتدعة والآراء المخترعة لم يكن لهم في ذلك سلف إلا رعونات النفوس المتلقاة ممن ساء قصده في الدين.
ويروى أن الله سبحانه قال للمسيح إني سأخلق أمة أفضلها على كل أمة وليس لها علم ولا حلم فقال المسيح أي رب كيف تفضلهم على جميع الأمم وليس لهم علم ولا حلم قال أهبهم من علمي وحلمي.
وهذا من خواص متابعة الرسول فأيهم كان له أتبع كان في ذلك أكمل, كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
وكذلك في الصحيحين من حديث أبي موسى وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم «مثلنا ومثل الأمم قبلنا كالذي استأجر أجراء فقال: من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين فعمل المسلمون فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا قال: فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا: لا, قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء».