فإذا أتى بها المصلي أمر أن يستعيذ بالله من مجامع الشر كله، فإن الشر إما عذاب الآخرة وإما سببه فليس الشر إلا العذاب وأسبابه، والعذاب نوعان: عذاب في البرزخ وعذاب في الآخرة، وأسبابه: الفتنة، وهي نوعان كبرى وصغرى، فالكبرى فتنة الدجال وفتنة الممات، والصغرى فتنة الحياة التي يمكن تداركها بالتوبة بخلاف فتنة الممات وفتنة الدجال، فإن المفتون فيهما لا يتداركها.
ثم شرع له من الدعاء ما يختاره من مصالح دنياه وآخرته والدعاء في هذا المحل قبل السلام أفضل من الدعاء بعد السلام وأنفع للداعي، وهكذا كانت عامة أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها، كانت في الصلاة من أولها إلى آخرها فكان يدعو في الاستفتاح أنواعًا من الدعاء، وفي الركوع، وبعد رفع رأسه منه، وفي السجود وبين السجدتين وفي التشهد قبل التسليم، وعلم الصديق دعاءً يدعو به في صلاته، وعلمَ الحسن بن علي دعاءً يدعو به في قنوت الوتر، وكان إذا دعا لقوم أو على قوم جعله في الصلاة بعد الركوع ومن ذلك أن المصلي قبل سلامه في محل المناجاة والقربة بين يدي ربه، فسؤاله في هذه الحال أقرب إلى الإجابة من سؤاله بعد انصرافه من بين يديه.