وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الدعاء أسمع؟ فقال: «جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبة» (?) ودبر الصلاة جزؤها الأخير كدبر الحيوان ودبر الحائط، وقد يراد بدبرها ما بعد انقضائها بقرينة تدل عليه كقوله: «يُسبحون الله ويحمدونه ويكبرونه دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين» فهنا دبرها بعد الفراغ منها، وهذا نظير انقضاء الأجل، فإنه يراد به، ولما يفرغ، ويراد به فراغها وانتهاؤها.
ثم ختمت بالتسليم، وجعل تحليلاً لها يخرج به المصلي منها كما يخرج بتحليل الحج منه، وجعل هذا التحليل دعاء الإمام لمن وراءه بالسلامة التي هي أصل الخير وأساسه، فشرع لمن وراءه أن يتحلل بمثل ما تحلل به الإمام.
وفي ذلك دعاء له وللمصلين معه بالسلام، ثم شرع ذلك لكل مصل، وإن كان منفردًا فلا أحسن من هذا التحليل للصلاة كما أنه لا أحسن من كون التكبير تحريمًا لها، فتحريمها تكبير الرب تعالى الجامع لإثبات كل كماله له، وتنزيهه عن كل نقص وعيب، وإفراده وتخصيصه بذلك وتعظيمه وإجلاله، فالتكبير يتضمن تفاصيل أفعال الصلاة وأقوالها وهيئاتها.
فالصلاة من أولها إلى آخرها تفصيل لمضمون: «الله أكبر» وأي تحريم أحسن من هذا التحريم المتضمن للإخلاص والتوحيد؟ وهذا التحليل المتضمن الإحسان إلى إخوانه المؤمنين. فافتتحت بالإخلاص، وختمت بالإحسان أ. هـ.