فَيَتَجَدَّدُ مِنَ الْعَزْمِ عَلَى الْغَضِّ مَعْنًى يُسَمَّى الْيَأْسُ وَهُوَ دَوَاءٌ حَاسِمٌ
قَالَ الْحُكَمَاءُ الْيَأْسُ أَحَدُ الرَّاحَتَيْنِ
وَقَالَ الشَّاعِرُ
حَاوَلْتُ أَمْرًا فَلَمْ يَجْرِ الْقَضَاءُ بِهِ ... وَلا أَرَى أَحَدًا يُعْدَى عَلَى الْقَدَرِ
فَقَدْ صَبَرْتُ لأَمْرِ اللَّهِ مُحْتَسِبًا ... وَالْيَأْسُ مِنْ أَشْبَهِ الأَشْيَاءِ بِالظَّفَرِ
وَلْيَكُنْ لَكَ فِي هَذَا الْغَضِّ عَنِ الْمُشْتَهَى نِيَّةٌ تَحْتَسِبُ بِهَا الأَجْرَ وَتَكْتَسِبُ بِهَا الْفَضْلُ وَتَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ مَنْ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى
وَانْظُرْ فِي بَابِ ثَوَابِ مَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْحَرَامِ فَقَدْ تَقَدَّمَ
وَعَلامَةُ ذَلِكَ امْتِلاءُ الْقَلْبِ بِالْحَبِيبِ فَكَأَنَّهُ يَرَاهُ حَالا فِي الصَّدْرِ وَكَأَنَّهُ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ عِنْدَ النَّوْمِ وَيُحَادِثُهُ فِي الْخُلْوَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الطَّمَعِ فِي نَيْلِ الْمَطْلُوبِ وَكَفَى بِالطَّمَعِ مَرَضًا وَقَلَّ أَنْ يَقَعَ الْفِسْقُ إِلا فِي الْمَطْمُوعِ فِيهِ
فَإِنَّ الإِنْسَانَ لَوْ رَأَى زَوْجَةَ الْمَلِكِ فَهَوِيَهَا لَمْ يَكَدْ قَلْبُهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا لأَجْلِ الْيَأْسِ مِنْ مِثْلِهَا
فَأَمَّا مَنْ طَمَعَ فِي شَيْءٍ فَإِنَّ الطَّمَعَ يَحْمِلُهُ عَلَى طَلَبِهِ وَيُعَذِّبُهُ إِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ
وَمَا النَّفْسُ إِلا حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى ... فَإِنْ أُطْمِعَتْ تَاقَتْ وَإِلا تَسَلَّتِ
وَقَالَ آخَرُ
فَقُلْتُ لَهَا يَا عَزُّ كُلُّ مُصِيبَةٍ ... إِذَا وَطِّنَتْ يَوْمًا لَهَا النَّفْسُ ذَلَّتِ