ذم الهوي (صفحة 555)

بَعْضِ إِخْوَانِي مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي مَشْيَخَةٌ مِنْ خُزَاعَةٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ بِالطَّائِفِ جَارِيَةٌ عَفِيفَةٌ صَالِحَةٌ وَكَانَتْ لَهَا أُمٌّ مِنْ خِيَارِ النِّسَاءِ لَهَا فَضْلٌ وَدِينٌ وَكَانَتْ لَهُمْ بِضَاعَةٌ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ وَكَانَ يَتَّجِرُ لَهُمْ بِهَا وَيَعْطِيهِمْ فَضْلَهَا قَالَ فَبَعَثَ الرَّجُلُ إِلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ ابْنَهُ فِي حَاجَةٍ وَكَانَ غُلامًا جَمِيلا فَدَخَلَ وَالْجَارِيَةُ جَالِسَةٌ لَمْ تَعْلَمْ بِدُخُولِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ فَوَقَعَتْ بِقَلْبِهِ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَمَا يَدْرِي أَيْنَ يَسْلُكَ وَجَعَلَ الأَمْرُ يَتَزَايَدُ عَلَيْهِ حَتَّى تَغَيَّرَ عَقْلُهُ وَنَحِلَ جِسْمُهُ وَلَزِمَ الْوِحْدَةَ وَالْفِكْرَ وَكَتَمَ حَالَهُ وَجَعَلَ لَا يَقَرُّهُ قَرَارٌ

فَلَمَّا رَأَى أَهْلُهُ ذَلِكَ حَبَسُوهُ فِي بَيْتٍ وَأَوْثَقُوهُ فَكَانَ رُبَّمَا أَفْلَتَ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ فَيَقُولُونَ لَهُ مُتْ عِشْقًا مُتْ عِشْقًا

قَالَ وَكَانَ يَقُولُ إِذَا كَثَرُوا عَلَيْهِ

أَأُفْشِي إِلَيْكُمْ بَعْضَ مَا قَدْ أَصَابَنِي ... أَمِ الصَّبْرُ أَهْيَا بِالْفَتَى عِنْدَمَا يَلْقَى

سَلامٌ عَلَى مَنْ لَا أُسَمِّي بِاسْمِهَا ... وَلَوْ صِرْتُ مِثْلَ الطَّيْرِ فِي غَيْضَةٍ مُلْقَى

أَلا أَيُّهَا الصِّبْيَانُ لَوْ ذُقْتُمُ الْهَوَى ... لأَيْقَنْتُمْ أَنِّي أُحَدِّثُكُمْ حَقَّا

أُحِبُّكُمْ مِنْ حُبِّهَا وَأَرَاكُمْ ... تَقُولُونَ لِي مُتْ يَا شُجَاعُ بِهَا عِشْقَا

فَلَمْ تَنْصِفُونِي لَا وَلا هِيَ أَنْصَفَتْ ... فَرِفْقًا قَلِيلا بِالْفَتَى وَيْحَكُمْ رِفْقَا

قَالَ فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِهِ وَعَلِمُوا أَنَّهُ عَاشِقٌ جَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَلا يُخْبِرُهُمْ بِقِصَّتِهِ وَلا يُجِيبُهُمْ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ مِنْهُ حَبَسُوهُ فِي بَيْتٍ وَقَيَّدُوهُ فَكَانَ إِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ هَتَفَ بِصَوْتٍ لَهُ حَزِينٍ يَقُولُ

يَالَيْلُ أَنْتَ رَفِيقِي ... مِنْ بَيْنِ أَهْلِي وَمَالِي

يَا لَيْلُ أَنْتَ أَنِيسِي ... مِنْ وَحْشَتِي وَاحْتِيَالِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015