بِحَيٍّ مِنْ عَامِرٍ فَأَكْرَمُوا مَثْوَايَ فَإِذَا فَتًى حَسَنُ الْهَيْئَةِ قَدْ جَاءَنِي فَسَلَّمَ عَلِيَّ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ أَيُّهَا الرَّاكِبُ قُلْتُ الْيَمَامَةَ
قَالَ أَتَأْذَنُ فِي صُحْبَتِكَ إِلَى الْيَمَامَةِ قُلْتُ أَحَبُّ مَصْحُوبٌ
فَقَامَ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِنَاقَةٍ كَأَنَّهَا قَلْعَةٌ بَيْضَاءُ وَعَلَيْهَا أَدَاةٌ حَسَنَةٌ فَأَنَاخَهَا قَرِيبًا مِنْ مَبِيتِي وَتَوَسَّدَ ذِرَاعَهَا فَلَمَّا هَمَمْتُ بِالرَّحِيلِ أَيْقَظْتُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا فَقَامَ فَأَصْلَحَ رَحْلَهُ فَرَكِبَ وَرَكِبْتُ فَقَصَّرَ عَلِيَّ يَوْمِي بِصُحْبَتِهِ وَهُوَ لَا يُنْشُدُنِي إِلا بَيْتًا مُعْجَبًا فِي الْهَوَى فَلَمَّا قَرِبْنَا مِنَ الْيَمَامَةِ مَالَ عَنِ الطَّرِيقِ إِلَى أَبْيَاتٍ قَرِيبَةٍ مِنَّا ثُمَّ قَالَ هَلْ أَنْتَ مُوفٍ حَقَّ الصُّحْبَةِ قُلْتُ أَفْعَلُ قَالَ مِلْ مَعِي فَمِلْتُ مَعَهُ فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ الصِّرْمِ ابْتَدَرُوهُ وَأَظْهَرُوا السُّرُورَ ثُمَّ قَالَ قُومُوا إِنْ شِئْتُمْ فَصِرْنَا إِلَى قَبْرٍ حَدِيثِ التَّطْيِينِ فَأَلْقَى نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ
لَئِنْ مَنَعُونِي فِي حَيَاتِي زِيَارَةً ... أُحَامِي بِهَا نَفْسًا تَرَشَّفَهَا الْحُبُّ
فَلَنْ يَمْنَعُونِي أَنْ أُجَاوِرَ لَحْدَهَا ... فَيَجْمَعُ جِسْمَيْنَا التَّجَاوُرُ وَالتُّرْبُ
ثُمَّ أَنَّ أَنَّاتٍ فَمَاتَ
فَأَقَمْتُ مَعَ الْفِتْيَانِ حَتَّى دَفَنَّاهُ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا ابْنُ سَيِّدِ هَذَا الْغَائِطِ وَهَذِهِ ابْنَةُ عَمِّهِ وَكَانَ بِهَا مُغْرَمًا فَمَاتَتْ مُنْذُ ثَلاثٍ
فَرَكِبْتُ وَاللَّهِ وَكَأَنِّي قَدْ ثُكِلْتُ حَمِيمًا
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَحَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ حَدثنِي مصدع بن غلاب الْحِمْيَرِي وَكَانَ مخضرما قَالَ وَأَدْرَكْتُهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَةِ سَنَةٍ وَمَا فِي وَفْرَتِهِ وَلِحْيَتِهِ بَيْضَاءُ