ارْحَمْ أَهْلَ الْهَوَى فَإِنَّكَ قَرِيبٌ مِمَّنْ دَعَا ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ
يَا رب إِنَّك ذومن وَمَغْفِرَةٍ ... ثَبِّتْ بِعَافِيَةٍ مِنْكَ الْمُحِبِّينَا
فَقُلْتُ يَا هَذِهِ أَتَرْفُثِينَ وَأَنْتِ فِي الطَّوَافِ فَقَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي لَا رَهَقَكَ الْحُبُّ
فَقُلْتُ لَهَا وَمَا الْحُبُّ فَقَالَتْ جَلّ أَنْ يُخْفَى وَدَقَّ أَنْ يُرَى لَهُ كُمُونٌ كَكُمُونِ النَّارِ فِي الْحَجَرِ إِنْ قَدَحْتَهُ أَوْرَى وَإِنْ تَرْكَتَهُ تَوَارَى
قَالَ فَتَبِعْتُهَا حَتَّى عَرَفْتُ مَنْزِلَهَا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَ مَطَرٌ شَدِيدٌ فَمَرَرْتُ بِبَابِهَا وَهِيَ قَاعِدَةٌ مَعَ أَتْرَابٍ لَهَا وَهِيَ تَقُولُ لَهُنَّ قَدْ أَضَرَّ بِنَا الْمَطَرُ وَلَوْلا ذَلِكَ لَخَرَجْنَا إِلَى الطَّوَافِ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ
قَالُوا أَضَرَّ بِنَا السَّحَابُ وَقَطْرُهُ ... لَمَّا رَأَوْهُ لِعَبْرَتِي يَحْكِي لَا تَعْجَبُوا مِمَّا تَرَوْنَ فَإِنَّمَا ... هَذِي السَّمَاءُ لِرَحْمَتِي تَبْكِي
وَبَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ مَنْ تَبِعَ الْحَاجَّ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ فِي الطَّوَافِ وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلِ وَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ كَأَنَّهَا شَمْسٌ عَلَى قَضِيبِ غَرْسٍ فِي كَثِيبٍ وَهِيَ تَقُولُ
رَأَيْتُ الْهَوَى حُلْوًا إِذَا اجْتَمَعَ الْوَصْلُ ... وَمُرًّا عَلَى الْهُجْرَانِ لَا بَلْ هُوَ الْقَتْلُ
وَمَنْ لَمْ يَذُقْ لِلْهَجْرِ طَعْمًا فَإِنَّهُ ... إِذَا ذَاقَ طَعْمَ الْوَصْلِ لَمْ يَدْرِ مَا الْوَصْلُ
وَقَدْ ذُقْتُ طَعْمَيْهِ عَلَى الْقُرْبِ وَالنَّوَى ... فَأَبْعَدُهُ قَتْلٌ وَأَقْرَبُهُ خَبْلُ
ثُمَّ الْتَفَتَتْ فَرَأَتْنِي فَقَالَتْ يَا هَذَا ظُنَّ خَيْرًا فَإِنَّ مَنْ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ عَنْ حَمْلِ شَيْءٍ أَلْقَاهُ طَلَبًا لِلرَّاحَةِ وَفَرَارًا مِنْ ثِقَلِ الْمَحَبَّةِ وَقَدْ نَطَقْتُ بِمَا عَلِمَهُ اللَّهُ وَأَحْصَاهُ الْمَلَكَانِ فَإِنْ يَعْفُ عَنْ أَهْلِ السَّرَائِرِ أكن فيهم وَإِن يعاقبوا فياخيبة الْمُذْنِبِينَ ثُمَّ بَكَتْ فَمَا رَأَيْتُ دُرًّا قُطِعَ سِلْكُهُ فَانْتَثَرَ بِأَحْسَنَ مِنْ تَنَاثُرِ دُمُوعِهَا
فَاعْتَزَلْتُ خَوْفًا أَنْ يَصْبُوَا قَلْبِي إِلَيْهَا