مكتب عادي ومقاعد من الخشب ما فيها زخرف، بل إنه ليس عليها صباغ، فلم تكَد الغرفة تتسع لنا.

نهض الأمير ومشى إلينا يستقبلنا، وما فرغنا من السلام عليه ومن أخذ مقاعدنا حتى قال بصوت منخفض: قهوة. وكنت قد لحظت وأنا داخل الرجال، أي الخُوَيّان (جمع خُوَيّ، أي الأخ الأصغر) واقفين في رحبة الدار وعلى السلّم وأمام الغرفة وعلى بابها. فما قال الأمير «قهوة» حتى صاح الذي على الباب «قهوة»، فقال الذي في الدرج «قهوة»، وكرّر الذي يليه «قهوة»، حتى وصل الصوت إلى صانع القهوة ولست أدري أين كان.

سمعنا خمساً وخمسين قهوة، قهوة، هوه، هوه، وه، وه ... تخرج متعاقبة متلاحقة كأنها طلقات مدفع رشاش، خرجت كلها في ثلاث وأربعين ثانية، فارتعبنا ولم نعرف ما الحكاية وفعلَت المفاجأة بنا فعلها، فمنّا من أسرع يطلب الباب يريد الفرار، ومنا من صرخ، ومنا من سقط على الأرض، ومنّا من وضع يده على سلاحه! والأمير يضحك قد راقته هذه الدعابة، ونظر إليّ كالمتسائل فقلت: ما هذا؟ لقد حسبته الغزو.

قال: لا، قد أمّن الله هذه البلاد بعبد العزيز فلم يبقَ فيها غزو ولا ما يشبه الغزو، ولكنها طريقتنا في طلب القهوة، نريد أن يسمع جيراننا ومن هم حولنا ليحضروا إلينا.

ولذلك يكرهون (أو كانوا يكرهون حين الرحلة) طحن البُنّ بالمطحنة التي لا صوت لها ويستحسنون دقّه بالهاوِن (الكلمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015