فصيحة). ويدقّونه عندنا في بادية الشام وقُراه بالمِهْبَاج، وهو هاوِن كبير من الخشب له مِدَقّة من مثله، ويُصنع من نوع معروف (عندهم لا عندي) من أنواع الخشب. ويكون المهباج منقوشاً مزخرَفاً، ومن يسمع الدقّ فيه ممّن يُحسنه يحسبه آلة موسيقية، لأنه يدقّ دقة على البُنّ في قعره ودقة على جوانبه، فكأنها «النوتة» العرفية التي يستعملها المغنّون ويضبطون بها النغمات: «دم» و «تك»، ويتولاّها الذي يمسك «الرقّ» في الجوقة (أي «التخت»، وكلمة الجوقة فصيحة). وقديماً كانوا يستعملون «تنّ» بالتشديد و «تنْ» بالتخفيف. ويُخرج الداقّ الحاذق أنواع النغمات والمقامات من المهباج الذي يدقّ فيه البُنّ.
* * *
وقد ذكرت في كتابي «من نفحات الحرم» بعض ما عرفنا من قوانين القهوة وأعرافها عند الأعراب وما رأينا من العناية بها، وقد فهمت سرّ حرصهم عليها لمّا رأيت أثرها في الجسد المتعب، فقد نصل غاية التعب فنشرب منها فناجين فنحسّ بالراحة والنشاط.
ولا يطبخون القهوة كما نفعل في المدن، بل يضعون فيها من «الهيل» أكثر ممّا يضعون من مسحوق البُنّ، وينقلونها من دَلّة إلى دَلّة، ولهذه الدِّلال عند أصحابها من السُّقاة أسماء كأسماء الأولاد، فهذه «العروسة» وهذه «الأم»، إلخ.
ومن آدابهم في تقديمها أن الساقي يمسك الآنية (الدَّلّة) باليسرى ويقدّم الفناجين باليمنى. ومَن صنع صنيعنا في الشام فقدّم الفنجان باليسرى عُدّ ذلك إهانة للضيف، ومن الإهانة أن