رأيتها، في وسطها مسجد كمسجد القريات وقصر الإمارة، وهو مبنيّ بالطين لا يمتاز من بيوت القرية إلاّ بأنه أكبر.

هذه هي تبوك التي عرفتها، ولقد عرضوا مرّات في الرائي (التلفزيون) مدينة جديدة فيها الشوارع على جانبَيها العمارات تتراكض فيها السيارات، مدينة فيها كل ما في المدن، حتى هذه التي لم أفهم لها معنى (أعني «المجسّمات الجمالية» التي يخلو أكثرها من الجمال) قالوا إنها تبوك.

إن كانت هذه هي تبوك فما هي -إذن- تبوك التي مررنا بها وبتّ فيها؟ أم أنني رأيتها طفلة، فصارت الطفلة فتاة فتّانة يلعب جمالها بعقول الرجال؟ أم أنا اليوم كعالِم الآثار، يحفر في الأرض حتى يستخرج من بطنها بلدة أخرى، كانت قائمة على وجه الأرض يوماً ثم ماتت فدُفنَت في أحشائها، فجاء هو يُعيدُها إلى ظهرها؟

أنا أعرف القاهرة وبغداد وبيروت ودمشق (بلدي) كيف كانت قبل خمسين سنة وكيف صارت الآن، كلها امتدّ وتوسّع وزاد أضعافاً، ولكن لم يقطع شيءٌ منها شوطاً أبعد ممّا قطعت مدن المملكة، ولا يفهم معنى هذا الكلام إلاّ من عرفها تلك الأيام.

* * *

وذهبنا نزور الأمير في مقرّه، فدخلنا داراً قروية مثل دور القرية لها رحبة واسعة فيها غرف ولها درَج ملتوٍ صعدناه فبلغنا رحبة أصغر منها، في صدرها غرفة ليست بالكبيرة، في صدرها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015