ودُهشوا، ولكن وجود الأمير أمسك ألسنتهم، فأسررت إلى أقربهم إليّ وأفهمتُه القصّة ودللتُه على الطريق.

فما زالوا يقومون واحداً بعد واحد، يذهبون على حال ويعودون على حال. وكان قد حلّ الهزيع الأخير من الليل، فدُعِينا إلى الطعام، وكان الخروف المعهود برأسه، ولكن كان حوله أطباق الخضر وألوان الطَّبيخ وقد صُفّت حولها الملاعق وكؤوس الماء، فأكلنا أهنأ أكلة مُذْ فارقنا دمشق.

ووجدنا من لطف الأمير وظرفه ومن كرمه وإيناسه ما لا يجزيه شكر، فيا أيها الأمير سامحني إن نسيت اسمك، فما نسيت كرمك ولا فضلك. ولقد عرفت أنه نُقل -بعد ذلك- أميراً للمدينة المنوّرة، وهو من الأسرة النبيلة الأصيلة من آل السديري. وما مثله بالذي يُنسى اسمه، ولكن مثلي من كبار السنّ هو الذي ينسى الأسماء، رحمه الله وجزاه عنّا خيراً.

* * *

صلّينا الفجر ونمنا إلى قريب الظهر، فقمنا نرى البلد، فإذا المكان الذي أنزلونا فيه مستشفى بُني لمّا مُدّ الخطّ الحجازي، وأمامه رحبة كبيرة يقابلها من الجهة الأخرى بناء كبير هو المحطّة، وهي أكبر محطّة بين دمشق والمدينة المنورة. وعلى يسارك -وأنت واقف بباب المستشفى تستقبل المحطّة- بساتين فيها ثلاث عيون، يقول أصحاب «المغازي» إن الله بارك فيها لمّا وصل رسول الله ‘ في غزوة تبوك إليها، وبساتين كثيرة فيها النخل، وخلال الأشجار ومن ورائها بيوت القرية ولا تكاد تبلغ المئة، كذلك قدّرتها لما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015